تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومما ينبغى ذكره هنا فى سياق ترجمة الألفاظ والعبارات القرآنية ترجمة كاتبنا لـ"النَّسِىء" الوارد فى قوله تعالى: "إنما النسىء زيادة فى الكفر يُضَلُّ به الذين كفروا. يُحِلّونه عامًا ويحرِّمونه عامًا ليواطئوا عِدَّة ما حرَّم الله فيُحِلّوا ما حرَّم الله" بـ" the intercalation of months"، بمعنى "إضافة بعض الشهور" ليظل عدد أيام السنة القمرية مساويا لعدد أيام نظيرتها الشمسية، إذ كانوا (كما يقول) يزيدون شهرا فى السنة الثالثة والسادسة والثامنة كل ثمانى سنوات. ويمضى أسد قائلا إن المسلمين لو كانوا جَرَوْا على هذه الطريقة الجاهلية لجاء الصوم والحج دائما فى نفس الموعد من السنة الشمسية كل عام، وفى هذه الحالة يكون أداؤهما إما بالغ السهولة أو شديد الصعوبة عليهم حسب الفصل الذى سيقعان فيه بهذه الطريقة.

والواقع أن هذا أحد معنيى "النَّسِىء" كما ورد فى المعاجم العربية مثل "لسان العرب" و "تاج العروس"، أما معناه الآخر فنَقْل حرمة أحد الشهور الحُرُم (وهى رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرَّم) إلى شهر آخر. ذلك أن العرب كانوا، إذا تقاتلوا وأتى عليهم شهرٌ من تلك الأشهر الحُرُم وأرادوا أن يستمروا فى القتال ولا يتوقفوا طبقا لما تقضى به حرمة تلك الأشهر، ينقلون تلك الحرمة إلى شهر آخر غير محرَّم بعد انتهاء الحرب. فالأستاذ أسد، كما نرى، قد ذكر أحد معنيى "النسىء" وترك المعنى الآخر، وهو المعنى الذى أرى أنه هو الأنسب للسياق. فالآية تتحدث عن "الأشهر الحُرُم" لا عن الحج ولا عن الصيام، وتذكر تحليل النسىء عاما وتحريمه عاما، ولا تشير إلى زيادة أيامٍ كل عام حتى تتوافق السنة القمرية والسنة الشمسية، وتقول إن غاية العرب من ذلك هو مواطأة عِدّة ما حرَّم الله، أى جَعْل الفترة التى يمتنعون فيها عن القتال أربعة أشهر دون أن تكون بالضرورة هى رجب وذا القعدة وذا الحجة والمحرم. وليكن المعنى الذى أدار محمد أسد ترجمته عليه بعد ذلك هو المعنى الصحيح، أفلم يكن ينبغى أن يتعرض للمعنى الآخر فى الهامش حتى يعطى القارئ فرصة للاختيار؟ ذلك أنه لا يفسر بل يترجم، وما دامت الآية تحتمل معنيين لقد كان عليه أن يذكر المعنى الثانى فى الهامش ويخرج بذلك من العهدة. أيًّا ما يكن الأمر فقد رأيتُ عددا من المترجمين يترجمون "النسىء" كما ترجمه أسد، ويبدو لى أنه قد تأثر بهم. وقد رددتُ على بعضهم فى كتابى "المستشرقون والقرآن".

ويُبْعِد الأستاذ محمد أسد النُّجْعة فى بَيْداء الظنون والتخمينات فى ترجمته لـ"كذلك" فى قوله سبحانه وتعالى عن رحلة ذى القرنين تجاه المشرق: "حتى إذا بلغ مَطْلِع الشمس وجدها تَطْلُع على قوم لم نجعل لهم من دونها سِتْرا* كذلك، وقد أحطنا بما لديه خُبْرا" [9] بـ" thus [we had made them and thus he left them] ومعناه بالعربية: "كذلك جعلناهم، وكذلك تركهم ذو القرنين"، ويقصد (كما قال فى الهامش) أن ذا القرنين لم يشأ أن يتدخل فى أسلوب حياتهم البدائية الطبيعية فى العيش عراةً حتى لا يسبب لهم الشقاء، إذ هم لا يحتاجون إلى أى نوع من الملابس.

إن ثمة عددا من الأسئلة لا بد من الجواب عليها قبل أن يُقْدِم أىٌّ منا على ترجمة الآية الكريمة: السؤال الأول: هل هناك دليل (أىّ دليل) على أن المقصود بعدم وجود ستر بين أولئك القوم وبين الشمس أنهم كانوا عُرَاة؟ ألا يمكن أن يكون المقصود مثلا أن الجو عندهم ضاحٍ طَوال النهار؟ أو أنهم من أهل الصحراء المنبسطة حيث لا شجر ولا واقٍٍ طبيعى من حرارة الشمس؟ والسؤال الثانى هو: حتى لو كان الأمر فى "الستر" هو ما قاله أسد، فما الدليل على أن كلمة "كذلك" تعنى ما جاء فى ترجمته؟ وثالثا: كيف لا يهتم ذو القرنين، وهو (كما يلُوح بوضوح من الآيات المجيدة) من الحكام الصالحين المؤمنين بالله سبحانه، بأن يخرجهم من حالة العُرْى ويعلِّمهم كرامة الاستتار؟ إن الله سبحانه قد منَّ على عباده بأنه أنزل عليهم لباسا يوارى سوءاتهم وريشا، وهو ما يدل على أن ستر العورات وارتداء الملابس امتثالٌ لمشيئة الله وتقبّلٌ لنعمته الكريمة، فكيف يقول أسد إن ذا القرنين قد آثر تركهم على ما هم عليه من عُرْىٍ وبدائية؟ بل إن آدم وحواء ما إن أكلا من الشجرة المحرمة وبدت لهما سوءاتهما حتى طفِقا يَخْصِفان على عوراتهما من ورق الجنة رغم أنه لم يكن هناك

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير