تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الغاشية وعاد إلى حالته الطبيعية فتنفسنا الصُّعَداء ورُدَّتْ لنا أرواحنا. فهذا، فيما أفهم، هو الازرقاق المذكور فى الآية الكريمة، والله أعلم!

وبالمناسبة فقد جاء فى الترجمة الإنجليزية القاديانية التى حررها غلام ملك فريد أن زرقة العيون هنا إنما تشير إلى أن هؤلاء المجرمين هم أمم الغرب النصرانية، وكأن المجرمين يوم القيامة سيكونون كلهم من الأوربيين والأستراليين والأمريكان فقط، فلا مجرمين أفارقة أو آسيويين أو من أمريكا الجنوبية، وكأن الغربيين كلهم أيضا سيدخلون النار، وكأن الغربيين كلهم كذلك أصحاب عيون زرقاء، فليس منهم من هو أخضر العينين أو أسودهما مثلا. أما لماذا انصرف ذهن هذين المترجمين إلى زرقة العيون فسببه أن ذلك هو المذكور فى كتب التفسير، التى تقول إن العرب تتشاءم بصاحب العيون الزرقاء. لكن ينبغى أن نعرف أن أذواق العرب وأوهامهم شىء، وحقائق الدار الآخرة شىء آخر.

أما ترجمة كلمة "أيام" فى "خَلَق السماوات والأرض فى ستة أيام" فتحتاج إلى وقفة خاصة. إن أسد يترجمها بـ " aeons"، أى حِقَب، وهى فى حدود علمى ترجمة جديدة. لكن الإنسان يتساءل: ما السبب يا ترى فى أنه لم يَجْرِ على هذه الخُطّة فى ترجمة كلمة "يوم" فى قوله تعالى: "فى يومٍ كان مقداره ألف سنة مما تَعُدّون" أو "فى يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة" [11]، التى يستخدم إزاءها كلمة " day" رغم أن اليوم هنا أيضا ليس هو اليوم العادى الذى نعرفه على سطح الكرة الأرضية، بل حقبة متطاولة كما هو واضح، وهى الحجة التى استند إليها فى ترجمة لفظة "يوم" فى عبارة "ستة أيام"؟ وبالمثل نراه يترجمها فى عبارة "يوم الحساب" و "يوم الدين" بـ" day"، فلماذا هذه التفرقة غير المفهومة؟ إن هذه نقطة منهجية كان ينبغى أن تحظى من محمد أسد باهتمام أكبر.

كذلك لاحظت أنه أحيانا ما يضيف إلى الترجمة كلمة أو أكثر بين معقوفتين لتوضيح النص. وفى بعض المواضع قد تستدعى الحاجة فعلا هذه الإضافة، لكن فى بعض المواضع الأخرى لا يستطيع الإنسان أن يبصر مثل تلك الحاجة، بل قد تكون الإضافة ذات خطورة على النص كما فى ترجمته لقوله تعالى من سورة "الأحزاب": "النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجه أمهاتهم"، الذى أضاف إليه فى الترجمة عبارة "فهو أبوهم" قبل جملة "وأزواجه أمهاتهم". وهو يسوّغ هذا الصنيع العجيب فى الهامش قائلا إنه اعتمد فى ذلك على ما يُرْوَى من أن بعض الصحابة والتابعين كانوا يقولون هذا أثناء قراءتهم على سبيل شرح الآية. لكنى، رغم ذلك، أرى أن هذا خطأ صراح لا سبيل إلى التهوين منه، إذ إن علاقة زوجاته صلى الله عليه وسلم بأتباعه غير علاقته هو بهم، فقد حرم القرآن أن ينكحوا أزواجه من بعده، أما هو فكان يحل له أن يتزوج من نسائهم كما هو مبين فى نفس السورة. ثم إن الله سبحانه يقول فى السورة ذاتها: "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم"، فكيف نأتى نحن ونقول إن محمدا لم يكن أبًا لواحد فقط من المسلمين بل أباهم كلهم أجمعين؟ أوَبَعْدَ قول الله قول؟

أما فى عبارة "رب المشارق" فى سورة "الصافات" فإنه يذهب خطوة أبعد، إذ لا يضع ما أضافه من كلمات بين معقوفتين، وهو ما يوهم القارئ الذى لا علم له بالنص القرآنى أن هذا هو ما يقوله القرآن فعلا وليس تفسيرا له من لدن المترجم. وهذا هو ما قاله مترجمنا:" The sustainer of all the points of sunrise"، أى رب مشارق الشمس كلها. لكن من ذا الذى يستطيع أن يقول إن "المشارق" هنا مقصورة على مشارق الشمس وحدها؟ إن نجوم السماء لا أول لها ولا آخر، حتى ليُضْرَب بها المثل فيما يستحيل عَدُّه، ولكل نجم مشرقه ومغربه، وهذا هو الأحجى أن يكون تفسير العبارة القرآنية بدلا من حصرها فى الشمس وحدها دون أن يكون هناك ما يدعو إلى ذلك. وبمثل هذا أرى أنه ينبغى تفسير عبارة "رب المشرقين ورب المغربين" أى رب مشرقى الشمس والقمر ومغربيهما، بدلا من "رب أبعد مشرقين ومغربين للشمس" حسبما جاء فى ترجمة أسد [12].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير