تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن ترجمات أسد الغربية التى يصعب جدا إقراره عليها أيضا ترجمته لكلمة "النجم" فى قوله سبحانه: "والنجم إذا هَوَى* ما ضَلَّ صاحبُكم وما غَوَى" بـ"قطعة الوحى الإلهى" على أساس أن القرآن نزل منجَّما، أى على دفعاتٍ، لا جملةً واحدة. ولكن فاته أن القرآن لا يستخدم أيا من "النجم" أو "هَوَى" فى الحديث عن نفسه: فكلمة "النجم" فيه إنما تدل على نجم السماء، اللهم إلا فى موضع واحد يحتمل أن يكون المقصود بها نجم النبات. أما بالنسبة لمجىء الوحى من السماء فيستعمل له فعل من مادة "ن ز ل" لا الفعل "هَوَى".

وأشد غرابة من الترجمة السابقة تأديته لقوله تعالى فى وصف سَقَر: "لوّاحةٌ للبشر" بما معناه أنها "تُلِيح للبشر (أى تُرِيهم) الحقيقة كلها". يقصد (كما وضَّح فى الهامش) أنها تجعلهم يبصرون أخيرا الحقيقة التى لم يكونوا يقرّون بها فى الدنيا وتريهم خطاياهم وشرورهم ومسؤولياتهم عن معاناتهم وآلامهم فى الحجيم، مخالفا بذلك المفسرين كلهم تقريبا، الذين يقولون إن المقصود هو أنها تسفع وجوه الكافرين وتغير شكلهم. وتعليقنا على ذلك أن من معانى الفعل "لاح": "غيَّر وأضمر" كما فى قولنا: "لاح العطشُ أو السفرُ أو الحزنُ فلانا"، ومن ثم فكلمة "لوّاحة" هى صيغة مبالغة من هذا الفعل، الذى ليس من معانيه "أرى فلانٌ فلانًا كذا أو كذا". وحتى لو قلنا إن هذا أحد معانيه، فأين المفعول الثانى لكلمة "لوَّاحة" فى الآية؟

ومما يخطىء فيه أسد كذلك، بل وينفرد بالخطإ فيه، حرف "الواو" فى قوله عز شأنه: "كلا والقمر* والليل إذ أدبر* والصبح إذا أسفر"، "والصافّات صَفًّا"، "والذاريات ذَرْوا"، "والطُّور* وكتابٍ مسطور"، "والمرسَلات عُرْفا" ... إلخ، إذ يترجمه بمعنى "تأمَّلْ واعتبِرْ". ولا أدرى على أى أساس فعل ذلك، إذ لم يقل بهذا أحد من المفسرين أو علماء النحو أو أصحاب المعاجم. إنه يسويها بقولهم فى الإنجليزية على سبيل التعجب: " by God"، مع أن الأمرين مختلفان. فمن الواضح أن "الواو" فى هذه المواضع وأشباهها للقسم لا للتعجب، والمُقْسَم به موجود بعد "إنّ". ونجتزئ هنا بشاهدين على ما نقول: "والذاريات ذَرْوا* فالحاملات وِقْرا* فالجاريات يُسْرا* فالمقسِّمات أمرا* إنّ ما توعَدون لصادق* وإنّ الدين لواقع"، "كلا والقمر* والليل إذ أدبر* والصبح إذا أسفر* إنها لإحدى الكُبَر* نذيرا للبشر". بل إن القرآن نفسه يصرح بأن هذا قَسَم، إذ جاء فى سورة "الفجر": "والفجر* وليالٍٍ عَشْر* والشفع والوَتْر* والليل إذا يَسْر* هل فى ذلك قَسَمٌ لِذِى حِجْر؟ "، ولقد تكرر قسم القرآن بالظواهر الكونية وعناصر الطبيعة بلفظ القسم الصريح أكثر من مرة، مثل: "فلا أُقْسِم بالخُنَّس* الجَوَارِ الكُنَّس* والليل إذا عَسْعَس* والصبح إذا تنفس* إنه لقول رسول كريم"، "فلا أُقْسِم بالشفَق* والليل وما وسَق* والقمر إذا اتسق* لتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عن طبق"، فماذا يبغى الأستاذ أسد أكثر من هذا؟

وهذه النزعة إلى الانفراد بالآراء الغريبة لدى محمد أسد هى المسؤولة أيضا عن تنكُّبه لترجمة "الكواعب الأتراب" فى سورة "النبأ" بالناهدات الصدور المناظرات لأزواجهن فى السن كما تقول كتب التفسير وكما يقول الأسلوب العربى، وتَرْجَمَتها بدلا من ذلك بـ" splendid compagnons well matched: أصحابًا رائعين متوافقين". وهو يوضح السر فى هذه الترجمة العجيبة قائلا إن متع الجنة التى يمثل الكواعبُ الأترابُ لونا من ألوانها ليست حقيقية، إذ لا نساء فى الفردوس، ومن ثَمَّ فـ"الكواعب" هنا هم الأقران البارزون (لأن الفعل "كَعَبَ" يدل على البروز بإطلاق لا بروز النهدين فحسب)، و"الأتراب" هم الذين يكون بينهم وبين أصحابهم توافق وانسجام" [13].

ورأيى أن هذه كلها حجج داحضة: فأولا لو افترضنا أنه ليس هناك نساء فى الفردوس فعلا كما يقول المترجم، فإن هذا لا يسوِّغ ترجمة الآية بالطريقة التى فسرها بها، بل كان ينبغى أن يترجمها كما جاءت، وليقل فى الهامش إن هذا مجاز، وإن المقصود بالإشارة إلى النساء فى الآية هو كذا وكذا. فإن نساء الجنة فى هذه النقطة لا يختلفن فى شىء عن لبنها وعسلها وخمرها وشجرها وأنهارها ... إلخ، فسواء قلنا إن فى الجنة عسلا ولبنا مثلا كعسلنا ولبننا، أو عسلا ولبنا من نوع آخر يليق بالآخرة وخلودها، أو قلنا إنهما رمزان لمتع أخرى لا يمكن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير