تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعلى نفس المنوال فى إثبات إعجازية العصا يمضى أسد فيسمى انفلاق البحر لبنى إسرائيل أيضا "معجزة". وإلى القارئ الكريم كذلك نَصّ ما قاله فى هذا الصدد: "يبدو، من خلال بعض الإشارات المختلفة فى الكتاب المقدس، أن معجزة عبور البحر الأحمر قد وقعت فى الطرف الشمالى الغربى لما نعرفه حاليا باسم "خليج السويس" ... "، ثم يستمر فى الكلام قائلا إن "ذلك الموضع لم يكن فى ذلك الزمان البعيد بالعمق الذى هو عليه اليوم، وربما كان يشبه من بعض الجوانب ذلك الجزء الضَّحْل من بحر الشمال الذى يقع بين الجزيرة البريطانية والجُزُر الفرنسية بجَزْرها الشامل الذى يترك أعماقها الرملية عارية ويجعلها صالحة للعبور مؤقتا والذى يعقبه مد عنيف مفاجئ يغمرها تماما". صحيح أنه يريد هنا، فيما يبدو، تعليل هذه المعجزة تعليلا علميا، لكن الشاهد الذى أود ألا يغيب عن عين القارئ هو إقراره بأن عبور بنى إسرائيل البحر كان حادثة إعجازية. وأترك للقارئ مهمة تفسير هذا الاختلاف بين نظرة كاتبنا إلى معجزات موسى ومعجزات غيره من الأنبياء والرسل، حتى لو كان هذا الخلاف ينحصر فى مجرد الإبقاء على لفظة "معجزة" أو "إعجازى" فى حالة موسى ونبذها فى حالة إخوانه الكرام، عليهم جميعا السلام.

هذا، ولا بد من المسارعة إلى القول بأن انفلاق البحر فى حالة موسى لم يكن مسألة جَزْر، وإلا لأخذ وقتا كما يحدث مع ظاهرة الجزر، بل الذى حدث أن موسى، بوحى من الله، ضرب الأرض بعصاه فإذا بالبحر ينفلق فى الحال فلْقين، كل فلق كالجبل الشامخ، علاوة على أن عملية الجزر لا يترتب عليها أن يتكوم الماء على الجانبين بهذا العلوّ المهول. كذلك فالجزر يشمل المنطقة كلها ولا يقتصر على طريق محدود تعبره جماعة من الناس ما إن تتجاوزه حتى تعود المياه إلى وضعها الأول وتغرق الجماعة الأخرى التى تأتى على أعقابها. ولو كان ذلك الموضع ضحلا كما يقول الأستاذ أسد لما غرق فيه فرعون ومَلَؤه وجنوده أجمعون.

وبعد، فإنى لا أستطيع أن أوافق محمد أسد على ذلك المنهج الذى سلكه واتفق فيه مع جماعة القاديانيين التى ظهرت فى الهند فى القرن التاسع عشر، وكان لبعض رجالها صولة فى باكستان إبان نشأتها فى منتصف القرن الماضى، وهو الوقت الذى كان فيه أسد هناك يعمل فى وزارة الخارجية، وبالذات فى الوفد الباكستانى إلى الأمم المتحدة قريبا من ظفر الله خان (القاديانى)، الذى كان وزيرا للخارجية الباكستانية ورئيس وفد الباكستان إلى الأمم المتحدة فى تلك السنين. وسبب مخالفتى لأسد أن القرآن قد أثبت المعجزات لعددمن الرسل والأنبياء بعبارات لا تحتمل تأويلا إلا إذا حطمنا قواعد اللغة والمنطق، فضلا عن أن الآية 59 من سورة "الإسراء" تقول بصريح العبارة ردا على مطالبة مشركى قريش لمحمد عليه السلام بأن يأتيهم بمعجزة كى يصدقوه ويؤمنوا به: "وما مَنَعَنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذَّب بها الأولون"، وهو ما يدل على أنه كانت هناك معجزات يُظْهِرها الله للكفار ثم توقفت بعد مجىء محمد. والآن ما معنى هذا؟ إننا لو جارينا الأستاذ أسد لترتب على ذلك أن القرآن قد اتبع فى الرد على الكفار منهجا عبثيا: فهو قد أثبت المعجزات للرسل السابقين رغم أنه لم تكن هناك معجزات ولا يحزنون، مُطْمِعًا بذلك المشركين فى التعنت على الرسول والإلحاح فى مطالبته أن يأتيهم هو أيضا بمعجزات مثل الأنبياء السابقين عليه الذين أقر هو نفسه أن الله كان يعضدهم بها، ومُوقِعًا نفسه بهذه الطريقة فى مأزق غريب لا يجد مخرجا منه إلا بالقول بأن عصر المعجزات قد ولى. ولقد كان فى غنى عن هذا كله لو قال منذ البداية إنه لم تكن هناك معجزات فى أى وقت، وإنه لم يحدث أنْ أتى أى رسول أو نبى بشىء منها، أو لو أنه على الأقل قد سكت فلم يتعرض لهذه النقطة، حتى إذا طالب المشركون الرسول بمعجزة كان جوابه عليهم: "ومن قال لكم إنه كانت هناك معجزات حتى تطالبوه بمثلها؟ ". أيُعْقَل أن يضع الله سبحانه رسوله فى هذه الزواية الضيقة الحرجة دون أدنى داع؟ وحتى لو قلنا إن الرسول هو مؤلف القرآن (أستغفر الله!) فإنه لم يكن ليوقع نفسه فى هذه الورطة التى لا يُحْسَد أحد عليها، وهو العبقرى الراجح العقل البعيد النظر. ثم كيف يتفق القرآن الكريم مع ما جاء فى العهدين القديم والجديد عن معجزات موسى وعيسى بالذات رغم تأكيده أنهما قد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير