تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما بالنسبة للنصارى وموقفهم من النبوءة الواردة فى الإنجيل عن محمد صلى الله عليه وسلم فإنه يؤكد أن قوله تعالى على لسان المسيح عليه السلام: " ... ومبشِّرًا برسولٍ يأتى من بعدى اسمه أحمد" [95] يجد مصداقه فى ذِكْر إنجيل يوحنا للفارقليط فى عدة مواضع. ثم يوضح قائلا إن كلمة " Parakletos" المشار إليها هى بالتأكيد تحريف لكلمة " Periklytos"، ومعناها "المحمود كثيرا"، وهو ما يساوى كلمة "محمد/ أحمد"، التى هى الترجمة الدقيقة للكلمة الآرامية " Mawhamana"، إذ كانت الآرامية (كما يقول) هى اللغة السائدة فى فلسطين على عهد عيسى عليه السلام وبعده بقرون، كما أن اسم "محمد" قد ورد بنصه العربى فى إنجيل برنابا، الذى ترفضه الكنيسة الآن بعد أن كانت تقرّه حتى عام 496م عندما حرَّمه البابا جلاسيوس، وإن كان من غير المستطاع فى الظروف الراهنة التأكد من صحته بسبب ضياع النص الأصلى، إذ الموجود فى أيدينا حاليا إنما هو ترجمة إيطالية ترجع إلى أواخر القرن السادس عشر الميلادى [96].

وعلى العكس من ذلك نراه، فيما يخص القرآن الكريم، يؤكد أن قوله تعالى: "إنا نحن نزَّلنا الذكر، وإنا له لحافظون" [97] قد تبين صدقه بما لا يدع مجالا للشك، إذ ثبت أن النص القرآنى وصل إلينا عن النبى محمد خاليا من أى تعديل أو إضافة أو حذف، وأنه ما من كتاب آخر، أيًّا كانت صفته، قد بقى سليما طيلة هاتيك القرون جميعا. أما بالنسبة للقراءات المختلفة لبعض ألفاظ القرآن المجيد فهى لا تعدو أن تكون اختلاقا فى ضبط بعض الحروف لا يمس المعنى عادة [98]. وقد كرر هذا الكلام عند تفسيره لـ"الكتاب المكنون" فى سورة "الواقعة"، ولـ"اللوح المحفوظ" فى سورة "البروج"، إذ قال إنهما إشارة إلى حفظ القرآن الكريم من كل عبث، إضافةً كان أو حذفًا أو مسخًا، لأن الله قد تكفل بحفظه إلى الأبد [99].

أما المواضع التى قارن فيها بين ما جاء فى القرآن ونظيره فى الكتاب المقدس فهى كثيرة، ولكننا نجتزئ ببعضها عن سائرها: فمن ذلك تعقيبه على الآية 135 من سورة "البقرة"، التى تذكر "مقام إبراهيم"، بأن رحلة خليل الرحمن إلى الحجاز ليست بالأمر الذى يصعب أن يقوم به بدوى يستعمل البعير فى تنقلاته. ثم يمضى محاولا إثبات أن رواية العهد القديم التى تقول إن البَرِّيَّة التى ترك فيها أبو الأنبياء زوجته وابنه هى بَرِّيّة "بئر سبع"، ورواية القرآن التى تقول إنه إنما ذهب بهما إلى الحجاز، لا تتناقضان، قائلا إن برِّيَّة "بئر سبع" كانت تعنى عند العبرانيين الذين كانوا يسكنون المدن آنئذ أقصى جنوب فلسطين وما وراءها من الصحراء العربية حتى الحجاز نفسه [100].

وبالنسبة لقوله عز من قائل فى آخر آية القصاص من سورة "المائدة": "فمن تصدَّق به (أى تنازل عن القِصَاص تقرُّبًا إلى الله سبحانه) فهو كفارة له" [101] يقول كاتبنا إن النسخة الحالية للعهد القديم تخلو من هذا الحكم، إذ ليس فيها إلا العين بالعين، والسن بالسن ... إلخ، أما العفو والتسامح فإنها لا تذكره. وهو لا يستبعد أن هذا الحكم كان موجودا فى التوراه الأصلية، ثم عَفَتْه يد العبث أو الإهمال المتعمد [102]. كذلك من المعروف أن القرآن يسمى والد إبراهيم عليه السلام: "آزَر على حين يدعوه العهد القديم: "تارح". وقد حاول محمد أسد أن يجد حلا لهذه المسألة قائلا إن اسم والد إبراهيم فى التلمود هو " Zarah"، وعند المؤرخ الكنسى يوزبيوس بامفلى [103]:" Athar"، ورغم أن أيا من هذا وذاك لا يصلح، كما يقول، أن يكون حجة يعتمد عليها فى تفسير القرآن فمن الممكن القول بأن "آزر" هو تعريب لـ" Zarah" أو " Athar"[104].

وكان محمد لطفى جمعة قد تناول هذا الموضوع فى تفسيره للقرآن الكريم (الذى تركه محفوظا ونشره ابنه الأستاذ رابح لطفى جمعة فى التسعينات من القرن الماضى) وأشار إلى أن الاسم الموجود فى التلمود هو "آثر"، وكان رأيه، مع ذلك، أنه ما دام العهد القديم يقول إنه "تارح"، فإن "آزر" لم يكن أبًا حقيقيا له بل عَمًّا، وبخاصة أن إبراهيم قد دعا ربه أن "اغفر لى ولوالدىَّ وللمؤمنين يوم يقوم الحساب" [105] بما يدل على أن ذلك الأب كان مؤمنا ما دام خليل الله قد قرنه مع المؤمنين، بينما كان آزر وثنيا بنص الآية التى ورد فيها اسمه حيث يقول له إبراهيم مستنكرا: "أتتخذ أصناما آلهة؟ " [106]. وهذه، فى الواقع، مغالاة من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير