تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مسلم، فإنه يقتضى أن يسارع المؤمنون بالله ورسالاته إلى الإيمان بمحمد ما دامت رسالته هى آخر الرسالات السماوية وأكثرها عالمية [157].

صحيح أن بعض علماء المسلمين من العرب أنفسهم يقولون بما قال به محمد أسد، ومنهم الشيخ محمدعبده، مما قد عَرَضْتُه ومحَّصْتُه وفنَّدْتُه فى فصل طويل يقترب من أربعين صفحة بعنوان "أهل الكتاب" فى كتابى "سورة المائدة- دراسة أسلوبية فقهية مقارنة"، بَيْدَ أن الأمر فى حالة محمد أسد يختلف، فقد ترك الرجل يهوديته وأعلن دخوله فى الإسلام. فلو كانت نجاة الإنسان يوم القيامة ممكنة مع بقائه على يهوديته أو نصرانيته ... إلخ، فلماذا لم يبق كاتبنا على دينه الأصلى بدلا مما استتبعه دخوله فى دين محمد من رجّ حياته من أساسها والاتجاه بها فى مسار مغاير لمسارها السابق مغايرة تامة؟ ثم إننا قد رأيناه، فى مواضع مختلفة من هوامش ترجمته للقرآن الكريم، يلح على أن دين محمد هو للبشر جميعا وأنه لا يصح إيمانهم إلا إذا استظلوا برايته. كما أنه قد قال بصريح اللفظ إن مجىء الإسلام قد نسخ اليهودية والنصرانية [158]، أى أن هاتين الديانتين قد انتهت صلاحيتهما إلى الأبد.

وبمناسبة الحديث فى هذه المسألة لا بد من الإشارة إلى أنه دائما ما يترجم "الإسلام" بـ "تسليم النفس لله"، أما "الإسلام" بمعنى "اتّباع دين محمد"، وكذلك اسم الفاعل منه "مُسْلِم"، فهما (حسبما يؤكد) استعمالان اسْتَجَدّا بعد النبى عليه السلام [159]. وأرى أن هذا تمييع للأمور، بل أخشى أن يكون وراءه، ولو بدون قصد، رغبةٌ فى التسوية بين اليهود والنصارى وبين أتباع محمد فى أنهم جميعا مسلمون وناجون يوم القيامة ما داموا جميعا يؤمنون بالله واليوم الآخر ويعملون صالحا. لقد استخدم القرآن المجيد مرارا فى الحديث عن منهج الرسل جميعا كلمة "الإسلام"، إلا أن هذا هو الاستعمال العام فقط، وسببه أن منهجهم جميعا، عليهم صلوات الله وسلامه، واحد رغم اختلاف شرائعهم فى بعض تفاصيلها، أما المعنى الاصطلاحى لهذه الكلمة فى القرآن وفى الحديث فهو دين محمد.

ونبدأ بالحديث النبوى فنسوق هذه النصوص المشهورة: "بُنِىَ الإسلام على خمس: .... "، "المسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده"، "المسلم أخو المسلم: لا يظلمه ولا يُسْلِمه ولا يخذله"، "المسلم على المسلم حرام"، "المسلمون على شروطهم"، "المسلمون تتكافأ دماؤهم". أما بالنسبة للقرآن الكريم فإن "الإسلام" فى قوله جل جلاله: "يَمُنّون عليك أن أَسْلَموا. قل: لا تَمُنّوا علىَّ إسلامكم، بل الله يمُنّ عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين" [160] لا يمكن إلا أن يكون الدين الذى أتى به محمد صلى الله عليه وسلم. والحمد لله أن أسد نفسه قد فسرها فى الهامش هذا التفسير، وها هى عبارته فى النص الإنجليزى: " by professing to be thyfollowers" رغم أنه فى الترجمة قد استعمل كلمة " to surrender"، وإن لم يَقْنَع هذه المرة بذلك بل جعل الأمر "استسلاما للرسول: " having surrendered [to you]"، مضيفا من عنده بين معقوفتين (كما نرى) كلمة "لك" [161]، وهو ما لا يقبله السياق أبدا، إذ من غير المتصور أن يمنوا على الرسول باستسلامهم له، لأن الاستسلام ليس مما يبعث على الفخر أو يُمَنّ به على أحد.

ومثل ذلك قوله جل شأنه: "ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يُقْبَل منه، وهو فى الآخرة من الخاسرين" [162]، الذى أتى عقب قوله مخاطبا رسوله محمدا عليه الصلاة والسلام: "قل: آمنّا بالله وما أُنْزِل علينا وما أُنْزِل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أُوتِىَ موسى وعيسى والنبيّون من ربهم، لا نفرِّق بين أحد منهم، ونحن له مسلمون" مما يدل على أن "الإسلام" فى الآية هو دين محمد، وإلا لكانت محاجته لأهل الكتاب لا معنى لها، إذ لو كان "الإسلام" هنا مستعملا بمعناه العام لكان جوابهم: "ونحن أيضا مسلمون مثلك سواء بسواء". وبمستطاعنا أن نستشهد بالآيات التالية أيضا: "اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتى ورَضِيتُ لكم الإسلام دينا" [163]، "أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه؟ " [164]، "ومن أظلم من افترى على الله الكذب وهو يُدْعَى إلى الإسلام؟ " [165]، "فمن يُرِدِ الله أن يهديَه يشرح صدره للإسلام" [166]، "رُبَما يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين" [167]، "إن المسلمين

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير