تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الكتاب الباقون على دينهم، وهو أمر مستحيل.

فى ضوء هذا نختلف مع الأستاذ أسد فى قوله، تعليقا على آية "لَتَجِدَنّ أشدَّ الناس عداوةً للذين آمنوا اليهودَ والذين أشركوا، ولتجدنّ أقربهم مودةً للذين آمنوا الذين قالوا: إنا نصارى. ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون" [182]، "إن النصارى (قد وُصِفوا بأنهم أقرب مودةً للذين آمنوا وبأنهم لا يستكبرون لأنهم) [183] لا يعتقدون كاليهود أن الوحى الإلهى مقصور على بنى إسرائيل، ولأن قسيسيهم ورهبانهم يعلِّمونهم أن التواضع هو لب الإيمان الحق". ثم يمضى قائلا: "ومما هو جدير بالذكر أن القرآن فى هذا السياق لا يصنف النصارى ضمن "الذين أشركوا"، لأنهم، وإن كانوا بتأليههم عيسى قد اجترحوا إثم الشرك، لا يعبدون عن وَعْىٍٍٍ آلهة متعددة أو أى إله غير الله، إذ إن عقيدتهم على المستوى النظرى تقرر الإيمان بالإله الواحد الذى يتصورون أنه قد أعلن عن نفسه فى ثلاثة أقانيم أو "ثلاثة أشخاص" يُفْتَرَض أن عيسى واحد منهم. وبرغم ما يمكن أن يكون فى هذه العقيدة مما يبعث على الرفض والنفور بالنسبة لتعاليم القرآن، فإن شركهم غير مبنىّ على الإصرار الواعى بل ينبع بالحَرَى من تجاوزهم حدود الحق فى تعظيمهم لعيسى" [184].

ويبدو لى أن ما قاله أسد فى هذه الفقرة راجع إلى وهمه أن القرآن فى الآية الكريمة يمدح النصارى بوصفهم نصارى. وهذا غير صحيح، إذ المديح فيها وفيما بعدها إنما هو موجه إلى فريق بعينه من النصارى فيهم قساوسة ورهبان كما ينبغى أن يكون القساوسة (أى العلماء) والرهبان (أى العُبّاد) الحقيقيون، سمعوا القرآن الكريم ففاضت أعينهم من الدمع واعلنوا إيمانهم ودَعَوْا ربهم أن يقبلهم فى الإسلام ويُدْخِلهم مع القوم الصالحين. فهل الذى يقول هذا يكون قد بقى على نصرانيته؟ لقد كانوا قبلا نصارى: هذا صحيح، بيد أنهم بمجرد بكائهم عند سماعهم القرآن وإعلانهم الإيمان به لم يعودوا نصارى، بل أَضْحَوْا مسلمين. وهذا من الوضوح بحيث لا يمكن أن يخطئه أحد، فلا أدرى لماذا تُرْبِك هذه الآية الأستاذ أسد وغيره من بعض الكتاب المسلمين؟

كذلك لست أعرف لماذا قال إن النصارى لا يعتقدون أن الوحى الإلهى مقصور على بنى إسرائيل! ترى هل يقبلون نبوة محمد العربى عليه الصلاة والسلام؟ إنهم أولا لا يؤمنون فى الواقع بغير أنبياء بنى إسرائيل، ثم إنهم يزيدون على اليهود اشتراط الإيمان بألوهية المسيح عليه السلام وصَلْبه تكفيرا عن خطايا البشر. فأمرهم إذن أعقد، وإن كان عدد الذين يدخلون منهم فى الإسلام أكبر من عدد اليهود لأنهم ليسوا صلاب الرقبة مثلهم، كما أن عددهم فى العالم أضخم كثيرا جدا جدا جدا من عدد اليهود.

أما قول مترجمنا إن القرآن لا يصف النصارى بـ "الذين أشركوا" فالرد عليه هو أن هذا التعبير نَصًّا مقصور على عبدة الأوثان الحجرية والخشبية من العرب. ومع ذلك فلم يُعْفِ القرآن النصارى من تهمة الشرك والكفر جميعا: "قل: يا أهل الكتاب (المقصود هنا نصارى نجران الذين وفدوا عليه صلى الله عليه وسلم فى المدينة)، تعالَوْا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم: ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضُنا بعضًا أربابا من دون الله" [185]، "لقد كفر الذين قالوا: إن الله هو المسيح بن مريم. وقال المسيح: يا بنى إسرائيل، اعبدوا الله ربى وربكم. إنه من يشرك بالله فقد حرَّم الله عليه الجنة ومأواه النار، وما للظالمين من أنصار* لقد كفر الذين قالوا: إن الله ثالثُ ثلاثةٍ. وما من إلهٍ إلا إلهٌ واحد. وإن لم ينتهوا عما يقولون لَيَمَسَّنَّ الذين كفروا منهم عذاب أليم" [186] ... وهكذا. أفبعد هذا كله يقال إن شركهم لا يقوم على الإصرار الواعى؟ أوبعد كل تلك القرون المتطاولة لا يزالون غير واعين بما يعتقدون؟ ترى متى يعود إليهم وعيهم ويفيقون؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير