وبعد، فقد وقع فى يدى، بعد كتابتى للفصول الماضية، مقال للكاتب السعودى عبد العزيز الرفاعى فى "المجلة العربية" (عدد رجب 1413هـ) أشار فيه إلى أن محمد أسد كان قد أعد ترجمته تلك لرابطة العالم الإسلامى، إلا أن المسؤولين فى الرابطة راجعوه فى عدد من الأمور التى رَأَوْا أنه خالف فيها ما تعارف عليه معظم المفسرين، وأنه قد وافقهم على بعض ما قالوه وأصرَّ على موقفه فى البعض الآخر. وكان رأيه الذى ذكره للأستاذ الرفاعى أنه إنما "يكتب تفسيرا جديدا لا يريده نسخة من التفاسير المتداولة، وأنه يكتبه للفكر الغربى، بل هو ينظر إليه من خلال فكره الغربى" [187].
وأنا مع مترجمنا فى أن على المفسر، بل وعلى أى كاتب، أن يجتهد محاولا الإتيان بجديد فيما يؤلف، لكن بشرط أن يلتزم بالقواعد التى تحكم موضوعه وألا ينطلق فى الفضاء دون ضابط ولا رابط. لكنى لست أفهم تماما قوله إنما يكتب للقارئ الغربى. ذلك أن القرآن ليس طينة صلصال فى أيدينا نشكلها حسب هوانا. وكان أسد نفسه يعلن نفوره من محاولات الربط بين القرآن والعلوم الطبيعية بحجة أن نتائج هذه العلوم متغيرة، فكيف إذن يُقِيم تفسيره للقرآن الكريم على أساس إرضاء القارئ الغربى، وبخاصة أنه حذر المسلمين فى بعض ما كتب من الركون للأمل فى دخول الأوربيين حظيرة الإسلام، مؤكدا أنه أمل شديد الضرر لأنهم متعصبون لفكرهم ويناصبون الإسلام العداء الشديد؟ فما الذى غيره هذا التغيير الحاد؟ ثم إن أسد قد عاش بين العرب والمسلمين ردحا طويلا من العمر تعرَّب خلاله فى دينه ولغته وطعامه ومسكنه وملابسه وبيئته وأصدقائه ... إلخ، ولم ير أثناء ذلك أوربا تقريبا، فلم هذه النغمة الغربية إذن؟ هذا موقف غير مفهوم! ثم هل القارئ الغربى هو الأساس الذى ينبغى أن نضبط القرآن عليه؟ إن أسد مثلا يرى أن من الممكن تفسير تسلق الخصوم سور المحراب وظهورهم لداود وحوارهم معه وقضائه بينهم بأنه قد سمع صوت ضميره الذى تسلق أسوار عاطفته وهواه [188]. وهو كلام لا معنى له إلا أن داود قد أصابه، أستغفر الله، خبل الهلاوس البصرية والسمعية! فهل هذا كلام علمى؟ الواقع أننى أشعر أن أسد قد أشاع الاضطراب فى تفسير القرآن، وأرجو ألا أكون قد ظلمته، وإن كنت لا أستطيع أن أرى أن ظلما قد وقع منى عليه، فـ"ما شَهِدْنا إلا بما عَلِمْنا".
-- الحواشي--
[127] انظر ص 343/ هـ 44، وهى 572/ هـ 82، وص 689/ هـ 49. وانظر أيضا ص 213/ هـ 48، وإن بقى الأصل العربى للعبرانيين هنا فى دائرة الاحتمال.
[128] ص 418/ بقية هـ 3.
[129] انظر ص 589/ هـ 5.
[130] القصص/ 5. ومع ذلك فعند قوله تعالى عن بنى إسرائيل أيضا: "وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا" (السجدة/ 24) لم يتطرق كاتبنا بشىء إلى هذه الريادة المزعومة، بل بالعكس هاجمهم واتهم كثيرا من "أئمتهم" بتحريف التوراة.
[131] انظر ص 596/ هـ 43.
[132] ص 18/ هـ 68.
[133] انظر ص 19/ هـ 73، وص 112 - 113/ هـ 60، وص 160/ هـ 94، وص 229/ هـ 136، وص 863 - 864/ هـ 4.
[134] المائدة/ 60.
[135] انظر ص 156/ هـ 88.
[136] ص 1190/ هـ 101.
[137] كذلك ففى تعقيبه على قوله تعالى: "وقالت اليهود: عُزَيْرٌ ابن الله"، نراه يقول إن اليهود يغالون مغالاة شديدة فى رفع مكانة عزرا ويجعلون أحكامه مثل الشريعة نفسها، ومن هنا استخدم القرآن تعبير "وقالت اليهود: عُزَيْرٌ ابن الله" للدلالة المجازية على موقفهم هذا (انظر ص 262 - 263/ هـ 44). وواضح هنا أيضا النغمة التخفيفية، إذ ليس من المعقول أن يكون قولهم: "عزير ابن الله" مجرد تعبير مجازى عن مغالاتهم فى رفع مكانة عزرا.
[138] انظر ص 415/ هـ 144، 147.
[139] انظر ص 418/ بقية هـ 3.
[140] ص 227/ هـ 127، وص 762/ هـ 16، وص 762 - 763/ هـ 17.
[141] ص 893 - 894/ هـ 11.
[142] ص 17/ هـ 65.
[143] الذين يرى أسد أنهم ليسوا إلا طائفة من يهود الإنس سماهم الله جنا لأنهم كانوا غرباء ولأنهم سمعوا الرسول وهو يقرأ القرآن دون أن يحس بوجودهم، فهم جن بهذا المعنى فقط.
[144] ص 899 - 900/ هـ 3.
[145] انظر ص 899 - 900/ هـ 3.
[146] انظر ص 640 - 641/ هـ 13، وص 643/ هـ 29، وص 849/ مقدمة ترجمة "الحشر".
[147] Sahih al-Bukhari- The Early Years of Islam, P. 244, n.5.
¥