الثالث "مانسخ حكمه ونسخ حرفه" والأول" ما نسخ حرفه وبقي حكمه" يقتضيان أن القرآن الذي أنزل دفعة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا والذي نزل من السماء الدنيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على مدار 23 عاما هذا القرآن حسب هذا الطرح أكبر حجما من القرآن الموجود بين أيدينا الآن .. !!
اعتراضك في محله
هل هذا التقسيم الثلاثي للآيات المنسوخة مسلَّم به عند العلماء؟
الصحيح أنه غير مسلّم وقد وردت عليه اعتراضات قوية من العلماء، ومن النوع الثالث: الذي قيل بأنه نُسخ تلاوة وحكماً: ما رويَ عن السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت: "كان فيما نزل من القرآن (عشر رضعات معلومات يُحرمن)، ثم نُسخن بخمس رضعات معلومات يُحرمن، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهن مما يُقرأ من القرآن". وغيرها من الروايات التي تحمل ذات المعنى، ولكنها كلها لا تخلو من اضطرابات واختلافات فيما بينها، وقد رد هذا الإمام ابن حجر بحجة أن الراوي ادعى أن هذا قرآناً، والقرآن لا يثبت إلا بالتواتر. [راجع: كتاب النكاح من فتح الباري].
وقال صاحب المنار: " .. االحق أنه لا يظهر لهذا النسخ حكمة، ولا يتفق مع ما ذكر من العلة، وإنّ ردّ الرواية عن عائشة لأهون من قبولها، مع عدم عمل جمهور من السلف والخلف بها، كما علمت، فإن لم نعتمد روايتها فلنا أسوة بمثل البخاري وبمن قالوا باضطرابها، خلافاً للنووي، وإن لم نعتمد معناها فلنا أسوة بمن ذكرنا من الصحابة والتابعين ومن تبعهم في ذلك، كالحنفية وهي عند مسلم من رواية عمرة عن عائشة، أو ليس ردُّ رواية عمرة وعدم الثقة بها أولى من القول بنزول شيء من القرآن لا تظهر له حكمة ولا فائدة، ثم نسخه أو سقوطه، أو ضياعه، فإن عمرة زعمت أن عائشة كانت ترى أن الخمس لم تنسخ وإذن لا يُعتد بروايتها". [المنار، (النساء:23)].
أما النوع الأول، وهو ما نسخ تلاوة وبقي حكماً، فمثل قولهم: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)، فهذا ليس فيه رواية صحيحة يُستند إليها، ولم تثبت قرآنيته، وأين هذا الكلام من رفعة أسلوب القرآن وعلو بيانه؟!
[توسع الشيخ فضل عباس في بيان هذين النوعين من النسخ في (إتقان البرهان، 39:2 - 59)، فارجع إليه ففيه فائدة جمة]
ـــــــــــــــــــــــــ
والثاني "ما نسخ حكمه وبقي حرفه" يقتضي وجود آيات للتلاوة فقط .. !
مصطلح النسخ، وهو رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي آخر متراخٍ عنه، يفهم من التعريف أنه لا بد من وجود تعارض بين الحكمين ولا يمكن الجمع بينهما، ويفهم من التعريف أيضاً أن النسخ مختص بآيات الأحكام فقط،"فهل يفهم من هذا أنه يقتضي وجود آيات قرآنية لمجرد التلاوة والتبريك
أبقاها الله ـ وهو أعلم ـ لنعلم فضله علينا بتيسير الأحكام لنا، و"ليُكشف النقاب عن سير التشريع الإسلامي، ويطلع الإنسان على حكمة الله في تربيته للخلق، وسياسته للبشر، وابتلائه للناس" [مناهل العرفان، (188:2)]، فبقاء تلاوة الحكم المنسوخ قد يشبه قصص السابقين التي نأخذ منها فائدة وعبرة، والحكم المنسوخ نأخذ منه فائدة وفكرة عن سير التشريع الإسلامي، والمراحل التي مرت بها بعض الأحكام.
ــــــــــــــــــــــــــــ
فمسألة مهمة كهذه "الناسخ والمنسوخ" كان بالأحرى أن يبينها رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو الذي بين تفاصيل أبسط الأمور عبر الآلاف من الأحاديث الشريفة ..
سامحك الله، وهل نحن الذين نحدد للرسول صلى الله عليه وسلم ما هو الأحرى، وهو الذي لا ينطق عن الهوى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لماذا لم يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالآيات المنسوخة ولم يبينها لنا؟
قد تحمل الآيات القرآنية في طياتها الدلالة على نسخها (راجع مشاركة ـ سؤال حول الناسخ والمنسوخ ـ).
وهذا لا يحتاج إلى توضيح من الرسول صلى الله عليه وسلم، وهناك معرفة تاريخ النزول التي لا تحتاج إلى توضيح كذلك من الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذه هي طرق معرفة النسخ واضحة لا تحتاج إلى بيان.
ـــــــــــــــــــــــــــ
هل هناك وسيلة موثوقة لمعرفة الناسخ من المنسوخ؟
بالتأكيد ليس الاجتهاد، (راجع مشاركة ـ سؤال حول الناسخ والمنسوخ ـ).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
¥