فلنرجع إلى موضوعنا: سندع الرد والرد عليه بالتعاريف والتعليلات إلى حقل التطبيقات و أرجو من الأساتذة الكرام أن يقرأوا ويدققوا جيدا ما سأكتبه نقلا عن المفكر الإسلامي عدنان الرفاعي ويردوا بالحجة والبرهان المقنعين .. فهذه الجولة من النقاش ستكون نقطة تحول في قناعاتي .. فسأبدأ بإذن الله بالآية الأولى التي ذكرت الأخت الفاضلة "باحثة" أعلاه ..
فلقد قال جزاه الله خيرا بخصوص هذه الآية .. :
ولنقف عند الآية الكريمة التالية التي زعموا بأنها منسوخة ..
"كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) "
قالوا إن هذه الآية تشمل الأمر بالوصية للوالدين والأقربين،قبل نزول آيات المواريث في القرآن الكريم،فنُسخت هذه الآية الآية بآيات المواريث .. وقالوا أيضا نُسخت هذه الآية بالحديث الشريف [إن الله قد أعطى لكل ذي حق حقه فلا وصية لوارث] (سنن الترمذي)
فالآية حسب قولهم تقرر الحكم بها برهة من الدهر ونُسخ حكمها سواء لمن يرث ولمن لا يرث، فالآية كلها منسوخة وبقيت الوصية ندبا ..
وقال بعضهم نُسخت الوصية للوالدين بالفرض في سورة النساء، وثبتت للأقربين الذين لايرثون،فهي -على قولهم هذا - منسوخة فيمن يرث ثابتة فيمن لا يرث ..
وقال بعضهم إن الآية محكمة (ليست منسوخة) ظاهرها العموم،ومعناها الخصوص في الوالدين اللذين لايرثان (في حالة الكفر والقتل .. )،فالآية الكريمة -بناء على ذلك-هي تخصيص للوالدين والأقربين في حال عدم إرثهم.
وقال بعضهم لا منافاة بين هذه الآية وآية المواريث،ومعناها كُتب عليكم تنفيذ ما أوصى الله تعالى به من توريث الوالدينوالأقربين،بحيث لا يُنقص من حصصهم شيئَ.
وقال بعضهم إن الواجب ألا يقال إنها منسوخة،لأن حكمها ليس بناف حكم ما فرض الله من الفرائض .. فوجب أن يكون حكم "كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ" كحكم "ُ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) "
فالآراء التي قيلت في تفسير هذه الآية الكريمة مثيرة، لكنها جميعها تدور حول المعاني التي رأيناها ... ولنحاول دراسة هذه الآية الكريمة حسب منهج الكلية في البحث القرآني "آمنا به كل " لنرى حقيقة ما تحمله هذه الآية الكريمة -المزعوم نسخها -من معان وأحكام.
إن ورود التكليف الإلهي بصيغة المبني للمجهول {كتب عليكم} يعني أن الكتابة أمر مشترك بين المكلِف والمكلَف، فهذا التكليف أمر مشترك بين الله تعالى والمؤمنين، الله يأمرهم وهم ينفذون .. وهذه الآية خطاب من الله تعالى لجميع المؤمنين في كل زمان ومكان،ولاتخص جيلا دون آخر، وإن قولهم بأن حكم هذه الآية هو لبرهة من الزمن فهو قول مردود،
فكلمات تتعلق بصفات الله تعالى وتنتمي لعالم الأمر الذي وفوق الزمان والمكان،لا تحمل أحكاما خاضعة لقوانين الزمان والمكان ..
ولو كانت الآية الكريمة هي خطاب لمن يحضره الموت بأن يُوصي وصية لكانت واجبة .. ولكن ذلك يُنافي ما تحمله الآية من عدة وجوه:
* لو كانت خاصة بالإرث لبين الله تعالى المقدار الواجب في هذه الوصية التي زعموا نسخها.
* لو كانت الوصية منسوخة بالنسبة لمن يرث-كما ذهب إلى ذلك مقروا الناسخ والمنسوخ-لوجب استثناء من يرث من الوصية الواردة في باقي الآيات الكريمة،التي تصور لنا الأخذ بوصية الميت قبل توزيع الإرث على الورثة .. وهذا الاستثناء لا نراه في كتاب الله تعالى.
"ٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ (11) "
"ٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ (12) "
" فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ (12) "
" فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ (12) "
فكما نرى لا يوجد اسثناء في الوصية.
*لو كانت الوصية خاصة بالإرث،والخطاب موجه لمن يحضره الموت حصرا،لاقتضى
¥