تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وكذا ما قيل من أن الوصيةَ للوارث كانت واجبةً بهذه الآية من غير تعيينٍ لأنصبائهم فلما نزلت آيةُ المواريثِ بياناً للأنصباء بلفظ الإيصاءِ فُهم منها بتنبيه النبي صلى الله عليه وسلم أن المرادَ منه هذه الوصيةُ التي كانت واجبة، كأنه قيل: إن الله تعالى أوصى? بنفسه تلك الوصيةَ ولم يُفَوِّضْها إليكم، فقام الميراثُ مقامَ الوصيةِ فكان هذا معنى النسخِ لا أن فيها دلالةً على رفع ذلك الحُكمِ، فإن مدلولَ آيةِ الوصيةِ حيث كان تفويضاً للأمر إلى آراء المكلَّفين على الإطلاق وتسنّي الخروجِ عن عُهدة التكليف بأداءِ ما أدَّى إليه آراؤُهم بالمعروف، فتكون آيةُ المواريثِ الناطقةِ بمراتب الاستحقاقِ وتفاصيل مقاديرِ الحقوقِ القاطعةِ بامتناعِ الزيادةِ والنقصِ بقوله تعالى:

{فَرِيضَةً مّنَ ?للَّهِ} [النساء، الآية 11. وسورة التوبة، الآية 60] ناسخةً لها رافعةً لحُكمها مما لا يَشتبهُ على أحد.

* بل قال البعض: إن الأحاديث الناسخة من المتواتر، وأنالتواتر قد يكون بنقل من لا يتصور تواطؤهم على الكذب، وقد يكون بفعلهم بأن يكونواعملوا به من غير نكير منهم.

قال النافون

جوّز بعض السلف الوصية للوارث نفسه بأن يخص بها من يراه أحوج من الورثة، كأن يكون بعضهم غنياً والبعض الآخر فقيراً.

أجاب المثبتون

الوصية للوارث تخل بالأنصبة التي حددتها آيات المواريث للورثة، وإذا تركنا الأمر للنظر، قد يتدخل الهوى فلا يعد لتوزيع الأنصبة المقرر في الشرع أي أهمية.

* * * * *

من الردود التي أوردت على صاحب المنار ما ذكره فضيلة الأستاذ الدكتور فضل حسن عباس ـ حفظه الله ـ في كتابه الثاني من سلسلة (اتجاهات التفسير ومناهج المفسرين في العصر الحديث، لم يطبع بعد)، قال في معرِض حديثه عن بعض ما ورد في تفسير المنار من مخالفات لأئمة الأمصار وفقهاء المذاهب: "عند تفسيره آية الوصية في سورة البقرة، يذكر أقوال العلماء، وينقل عن الألوسي رحمه الله، ثم يرد عليه ويختم ردّه بقوله: (فما هذا الحرص على إثبات نسخها، مع تأكيد الله تعالى إياها، والوعيد على تبديلها، إن هذا إلا تأثير التقليد) أ. هـ.

رحم الله صاحب المنار وعفا عنه، ألكي لا يكون الشخص مقلداً، ينبغي أن يقلد رأيه؟! وإن جمهوراً من الأئمة كأبي حنيفة والشافعي قد قالوا بنسخ هذه الآية الكريمة، أفيعدّ هؤلاء مقلدين، وإذا كانوا كذلك، فمن المجتهد؟ ومن الذي قلدوه؟

ثم يحاول صاحب المنار أن يضعّف الحديث (لا وصية لوارث)، بحجة أن الشيخين لم يروياه مسنداً لعدم ثقتهما به، وأن البخاري قد رواه موقوفاً عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأنه لا يعقل أن ينسخ القرآن بالحديث، لأن هذا الحديث ربما لم يقله الرسول صلى الله عليه وسلم، أو قاله رأياً، وعجيب هذا من السيد، وأعجب منه أنه ردّ أحاديث رواها الشيخان أنفسهما، ولكنه صحح أحاديث لم يروياها، والقول بأن الشيخين لم يخرجاه لعدم ثقتهما به قول مردود، لأن من المعلوم أنهما لم يلتزما بإخراج جميع الصحيح، وأما رواية البخاري له موقوفاً على ابن عباس، فإن الحافظ قال في (الفتح) إن له حكم المرفوع؛ لأنه في تفسيره ـ أي ابن عباس ـ إخبار بما كان من الحكم قبل نزول القرآن، فيكون في حكم المرفوع بهذا التقرير.

ولكن الشيخ تناسى هذا القول أو أغفله، والأغرب من ذلك قوله: (بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما لم يقله أو قاله رأياً)، وهذا غير وارد؛ لأن العلماء جزاهم الله خيراً، قد بيّنوا لنا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما لم يقله، والرسول الكريم لا يمكن أن يقول رأياً في الدين، وعلى التسليم بذلك، فإما أن يقرّه الوحي أو يردّه.

وبعد، فحديث (إن الله قد أعطى لكل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) تلقته الأمة بالقبول، وأجمع جمهور الأئمة على صحته، يقول الشافعي رضي الله عنه ـ في الأم ـ: (وجدنا أهل الفتيا، ومن حفظنا عنهم من أهل العلم بالمغازي من قريش وغيرهم، لا يختلفون في أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح: "لا وصية لوارث، ولا يقتل مؤمن بكافر"، ويؤثرون عمن حفظوا عنه، ممن لقوا من أهل العلم بالمغازي، فكان هذا نقل عامة عن عامة، وكان أقوى في بعض الأمر من نقل واحد عن واحد، كذلك وجدنا أهل العلم عليه مجمعين) [الرسالة].

ويختم د. فضل بقوله: ويعلم الله أن أنوار النبوة تنادي على صحة هذا الحديث". أ. هـ.

ـ[روضة]ــــــــ[16 Feb 2006, 09:50 م]ـ

المرحلة الرابعة

مرحلة الترجيح

بعد الاطلاع على رأي كل فريق ومناقشته، أظن أنه قد حان الوقت الآن للترجيح.

والترجيح لا يتطلب سرد أدلة، لأن العلماء قد كفونا هذا، وتم عرض أدلتهم، فسيكون في تكرارها عدم فائدة.

ما تبيّن لي بعد كل ما تقدم قوةُ قول من ذهب إلى النسخ، لاستنادهم إلى أحاديث نبوية، وحجج لغوية، وعلم بما كان من أحوال العرب، فأرى أن قولهم أرسخ وأعمق وأثبت من قول من ذهب إلى أن الآية محكمة.

والله أعلم بالصواب.

ويا حبذا أن تعرضوا آراءكم فيما ذكرتُه لكم في المراحل السابقة كلها.

وما كان بحاجة إلى نقاش أو مزيد توضيح فأنا على استعداد لذلك إن شاء الله.

وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان وغفر الله لي ولكم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير