الأمر الثالث: أن أبا داود رحمه الله قال بعد الحديث المذكور متصلا به حدثنا مسدد ثنا أبو عوانة عن منصور عن ربعي بن خراش عن امرأته عن أخت لحذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (يا معشر النساء أما لكن في الفضة ما تحلين به أما إنه ليس منكن امرأة تحلى ذهبا تظهره إلا عذبت به)
حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا أبان بن زيد يزيد العطار ثنا يحيى أن محمد بن عمرو الأنصاري حدثه أن أسماء بنت يزيد حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أيما امرأة تقلدت قلادة من ذهب قلدت في عنقها مثله من النار يوم القيامة وأيما امرأة جعلت في أذنها خرصا من ذهب جعل في أذنها مثله من النار يوم القيامة)
فهذان الحديثان يدلان على أن المراد بالحديث الأول منع الذهب للنساء وأن قوله (فالعبوا بها) معناه فخلوا نساءكم من الفضة بما شئتم كما هو صريح في الحديثين الأخيرين وهذا واضح جدا كما ترى
ويدل له أن الحافظ البيهقي رحمه الله ذكر الأحاديث الثلاثة المذكورة التي من جملتها (وعليكم بالفضة فالعبوا بها) في سياق الأحاديث الدالة على تحريم الذهب على النساء أولا دون الفضة ثم بعد ذلك ذكر الأحاديث الدالة على النسخ ثم قال واستدللنا بحصول الإجماع على إباحته لهن على نسخ الأخبار الدالة على تحريمه فيهن خاصة والله أعلم انتهى
ومن جملة تلك الأحاديث المذكورة حديث (فالعبوا بها) وهو واضح جدا فيما ذكرنا فإن قيل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور (يحلق حبيبه) (أن يطوق حبيبه) (أن يسور حبيبه) يدل على أن المراد ذكر لأنه لو أراد الأنثى لقال حبيبته بتاء الفرق بين الذكر والأنثى
فالجواب أن إطلاق الحبيب على الأنثى باعتبار إرادة الشخص الحبيب مستفيض في كلام العرب لا إشكال فيه ومنه قول حسان بن ثابت رضي الله عنه فالجواب أن إطلاق الحبيب على الأنثى باعتبار إرادة الشخص الحبيب مستفيض في كلام العرب لا إشكال فيه ومنه قول حسان بن ثابت رضي الله عنه:
منع النوم بالعشاء الهموم ... وخيال إذا تغار النجوم
من حبيب أصاب قلبك منه ... سقم فهو داخل مكتوم
ومراده بالحبيب أنثى بدليل قوله بعده
بدليل قوله بعده:
لم تفتها شمس النهار بشيء ... غير أن الشباب ليس يدوم
ومثل هذا كثير في كلام العرب فلا نطيل به الكلام
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر لي من كتاب الله جل وعلا وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم أن لبس الفضة حرام على الرجال وأن من لبسها منهم في الدنيا لم يلبسها في الآخرة وإيضاح ذلك أن البخاري قال في صحيحه في باب (لبس الحرير للرجال وقدر ما يجوز منه) حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى قال كان حذيفة بالمدائن فاستسقى فأتاه دهقان بماء في إناء من فضة فرماه به وقال إني لم أرمه إلا أني نهيته فلم ينته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الذهب والفضة والحرير والديباج هي لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) فقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح (الذهب والفضة والحرير والديباج هي لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) يدخل في عمومه تحريم لبس الفضة لأن الثلاث المذكورات معها يحرم لبسها بلا خلاف وما شمله عموم نص ظاهر من الكتاب والسنة لا يجوز تخصيصه إلا بنص صالح للتخصيص كما تقرر في علم الأصول
فإن قيل الحديث وارد في الشرب في إناء الفضة لا في لبس الفضة
فالجواب أن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب لاسيما أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في الحديث ما لا يحتمل غير اللبس كالحرير والديباج
فإن قيل جاء في بعض الروايات الصحيحة ما يفسر هذا ويبين أن المراد بالفضة الشرب في آنيتها لا لبسها قال البخاري في صحيحه (باب الشرب في آنية الذهب) حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى قال كان حذيفة بالمدائن فاستسقي فأتاه دهقان بقدح فضة فرماه به فقال إني لم أرمه إلا أني نهيته فلم ينته وأن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن الحرير والديباج والشرب في آنية الذهب والفضة وقال (هن لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) (باب آنية الفضة) حدثنا محمد بن المثنى حدثنا ابن أبي عدي عن ابن عون عن مجاهد عن ابن أبي ليلى قال خرجنا مع حذيفة وذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تلبسوا الحرير والديباج
¥