ولذلك فتساؤلك: ما وجه الدلالة من الآيتين على ما ذكرته آنفا؟ أقول تساؤلك هذا هو التساؤل الصحيح، الدال على الرغبة في استيضاح الجواب ومعرفة أصل الفكرة. وهو النوع من التساؤلات الذي يذكي المدارسة وتبادل المعرفة، وهو أكثر فائدة من تساؤلك الثاني: و هل ذلك " الفهم " يعتد به بحيث يعد " دليلا " معتبرا علما و شرعا؟
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[20 Jan 2006, 03:43 م]ـ
أخي الكريم عبدالله الشهري: حياك الله بين إخوانك في ملتقى أهل التفسير، وأسأل الله لكَ وللجميع مزيداً من التوفيق والسداد. ويعجبني حرصك وعنايتك بالعلم الشرعي مع تخصصك في دراسة اللغة الانجليزية كما يبدو لي من توقيعك، ومن أخذ العلم بحقه، وأتاه من أبوابه فتح الله عليه بما يشاء.
والكلام الذي نقلتَهُ - مشكوراً - عن الإمام القرافي كلامٌ جميلٌ، وليتنا ننتفع به، وقد كان الإمام شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس القرافي (ت684هـ) - مع إمامته في الفقه والاستنباط وغيره من علوم الشريعة - أحد البارعين النوادر في صناعة الساعات الفلكية، وقد ذكر في كتابه الثمين (نفائس الأصول في شرح المحصول) 1/ 108 وهو يبحث في فصل (الكلام في اللغات) عن الدلالة الصوتية: هل مجرد الصوت يدل على صاحبه؟
فبين أنه لا يكفي أن نسمع الصوت فنقول: إنه لا بد من شخص صاحب لهذا الصوت، لأن الصوت يصنع في غير الإنسان.
ثم قال: (بلغني أن الملك الكامل، صُنع له شمعدان - وهو عمود طويل من نحاس، له مراكز يوضع عليها الشمع للإنارة - كلما مضى من الليل ساعةٌ انفتح باب منه، وخرج منه شخصٌ يقف في خدمة الملك، فإذا انقضت عشر ساعات، طلع الشخص على أعلى الشمعدان، وقال: صبح الله السلطان بالخير والسعادة، فيعلم أن الفجر قد طلع.
وقد عملتُ أنا - أي القرافي - هذا الشمعدان، وزدت فيه أن الشمعة يتغير لونها كل ساعة، وفيه أسدٌ تتغير عيناه من السواد الشديد إلى البياض الشديد، إلى الحمرة الشديدة، في كل ساعة لها لونٌ، وتسقط حصاتان من طائرين، ويدخل شخصٌ ويخرج شخص غيره، ويغلق باب ويفتح بابٌ، فإذا طلع الفجر طلع الشخصُ على أعلى الشمعدان، وإصبعه على أذنه يشير إلى الأذان، ولكني عجزتُ عن صنعة الكلام، ثم صنعت صورة حيوان يمشي ويلتفت يميناً ويساراً، ويصفر ولا يتكلمُ).أ. هـ.
قال الشيخ عبدالفتاح أبو غدة رحمه الله تعليقاً على كلام القرافي في كتابه [صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل ص28]: وهذا ذكاءٌ خارقٌ عجيب فريد من الإمام القرافي، في اليد الصناع، والذهن المبدع، مع الإمامة في أصعب العلوم: الأصول والفقه، رحمة الله تعالى عليه). وأحال في الحاشية إلى بحوث توسعت في هذا الباب فذكر منها:
- التصوير عند العرب للأستاذ أحمد تيمور باشا رحمه الله.
- قطرات الدمع فيما ورد في الشمع لابن طولون الدمشقي.
- (علماء فنانون: الإمام القرافي) للأستاذ عبدالمجيد وافي. نشر في مجلة الوعي الكويتية في عددها 40 من السنة الرابعة 1388هـ.
وأما استدلالك على ما تفضلت به من الإشارة إلى المادة السوداء التي ترى أنها المكونة للظلام الدامس الذي يحيط بالكون ونرى بعضه، فأراك قد وفقت في ذلك، وشرحت بما يكفي في نظري القاصر، لكن ما تزال مثل هذه القضايا - ما دام للنظر فيها مجال - ميداناً واسعاً للحوار والأخذ والرد بين العلماء والباحثين، حتى تكتمل الصورة، ويزول اللبس الذي يعرض، ولا سيما مع شدة الحرج في القطع بالقول الصحيح في تفسير آية من آيات القرآن تحتمل هذا القول وغيره، وهذا ما دعا الأخ ابن رشد للتذكير بما قال.
وفقكم الله للحق، ونفعنا جميعاً بالعلم.
ـ[أمين نورشريف]ــــــــ[20 Jan 2006, 05:40 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وإن لم يكن هذا موضوعنا يا أبا عبد الله ولكن أليس تصوير ذوات الأرواح بالمحرم؟
قوله- أي القرافي -: ثم صنعت صورة حيوان يمشي ويلتفت يميناً ويساراً، ويصفر ولا يتكلمُ).أ. هـ.
دمتم لمحبكم في الله
أمين
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[20 Jan 2006, 06:34 م]ـ
حياك الله أخي العزيز أمين وجميع الإخوة في مونستر
هذا السؤال توجهه للقرافي رحمه الله، والرأي فيه معروف لديكم، لكن لعله دفعه حبُّ الاختراعِ والتصنيع، فذهل عن الحكم، أو لعله احتال للخروج من النهي، بأن صوره بصورة غير مكتملة بطريقة أو بأخرى والله أعلم، لكن الموضوع الأصلي هو فكرة القدرة العلمية على الاختراع والتصنيع لمخترعات يظن البعض أنها حكر على ما يسمى الآن المجتمعات الصناعية في الغرب والشرق، وأن المسلمين ليس لهم مشاركة فيها. ولا أظن هذا يخفى عليك.
ـ[أمين نورشريف]ــــــــ[20 Jan 2006, 07:15 م]ـ
بورك فيك يا أبا عبدالله وإنها والله لنعمة عظيمة أن يوفق المرء للجمع بين العلم الشرعي والدنيوي
نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم
دمتم لمحبكم في الله
أمين
¥