لقد قرأت ما كتب الاخوة, غير اني لم اجد في ثنايا ما كتبوا جوابا عن السؤال الذي طرحت ... بل اجد ان الاخت الباحثة قد وافقتني الرأي فيما ذهبت اليه من ان تحديد وجود نسخ في قضية ما يرتبط بالاجتهاد – اجتهاد كبار العلماء ...
لقد بدأت الاخت الباحثة ما كتبت بنفي ان يكون النسخ يرتكز على الاجتهاد فاقتبست قائلة:
" إن أهمية النسخ وما يترتب عليه من نتائج أمرٌ لا بد فيه من الحيطة؛ لذا فإن الحكم على أحد النصين بأنه ناسخ أو منسوخ لا يخضع لاجتهاد المجتهدين"
غير انها رجعت واكدت انه لا سبيل الى الحكم بوجود نسخ الا عن طريق اعمال العقل, اي بالاجتهاد .. تقول الاخت الباحثة:
"ولا يكون للقول بالنسخ محل إلا إذا استحال الجمع بين الدليلين؛ لأن الجمع أولى، فإعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما، كما هو معروف، وطبعاً العلماء هم الذين يبينون هذا الأمر، وقد يحكمون بالنسخ باتباع الطرق السابقة الذكر لا بالاجتهاد، وليس كل تعارض ظاهري بين الأدلة يقال بناء عليه: إن الجمع مستحيل، فالتعارض قد يكون بسبب خلل في أفهامنا، والتوفيق بين الأدلة من الأمور الدقيقة التي تحتاج إلى تدبر وعلم."
وبهذا تكون الاخت الباحثة قد نفت ما بدأت به من ان النسخ لا يخضع الى اجتهاد المجتهدين .. ولقد ذهب فكري الى ان ما عنته الاخت الباحثة هو ان تعيين الناسخ من المنسوخ هو قضية لا يدخل فيها اجتهاد .. واذا كان الامر كذلك, فاني اعود الى القول بأن القضية التي اثارها سؤالي ليس التفرقة بين الناسخ والمنسوخ, اي ليس تحديد الاية الناسخة والاية المنسوخة, بل هو التشكيك في وجود النسخ الا عن طريق الاجتهاد .. وما اقصده هو انه لا يوجد في القرآن الكريم عبارة مثلا: "ان الاية التي قالت كذا وكذا نسختها الاية التي تقول كذا وكذا"
ولقد قرأت ما قاله الاخ خادم الكتاب والسنة وقد استدل بالاية {الان خفف الله عنكم} على التصريح بالنسخ .. وقد اطلعت على تفاسير لا تذهب ما ذهب اليه الاخ كتفسير سيد قطب واقوال في "الناسخ والمنسوخ للنحاس ص470" واقوال في "الناسخ والمنسوخ للكرمي ص114" .. فهناك اقوال لم تقرّ بوجود النسخ في هذه الايات .. وهنا انا لا اناقش وجود النسخ في هذه الايات او عدمه, وانما اناقش استدلال الاخ خادم الكتاب والسنة على وجود تصريح بالنسخ في شاهده, وقد وجدت ان المسألة خلافية اي هي مسألة اجتهادية مجددا .. فهل هناك من الفاظ تدل على التصريح بالنسخ غير ما أشرت اليه ايها الاخ الكريم؟
لذا اسمحوا لي ايها الاخوة والاخوات ان اعيد صياغة سؤالي فلعلي لم اوفق في صياغته سابقا:
ان القرآن الكريم هو كلام الله المنقول تواترا عن الرسول عليه الصلاة والسلام ..... والقول بالنسخ هو تعطيل لاحد ايات القرآن , واحسب اني لا استطيع ان اقول بذلك – أي بالنسخ - الا بحجة تقوم مقام النقل المتواتر, لأن القول بالنسخ هو ان تنسب الى الله عز وجل رفعا لحكم أنزله في كتابه, وهذا اكثر ما يخيفني في النسخ, هو ان اقول للناس ان الله عز وجل قد رفع حكم هذه الاية وبقي لفظها للتبرك .. لذا ارى ان الذي يقول بالنسخ لا يستقيم دليله الا بالنقل المتواتر وليس بالفهم .. اي بالنقل المتواتر القطعيّ الدلالة .. ولا اقصد بالنقل هنا النقل الذي يفرق بين الناسخ والمنسوخ بل النقل الذي يقرّ بوجود النسخ اقرارأ صريحا (وهذا بالضبط هو محور تساؤلى)
ثم اسمحي لي ايتها الاخت الباحثة بالتفريق بين التعميم والتخصيص والاطلاق والتقييد من جهة وبين النسخ من جهة اخرى ... فاني اوافقك الرأي على ان التعميم والتخصيص والاطلاق والتقييد هو محاولة فهم عميق, وهي محاولة الجمع بين ما قد يظهر انه متناقض وهو ليس كذلك .. اوافق مطلقا على هذا القول ..
غير ان النسخ هو عملية هروب من التوفيق .. هو اقرار بأن هناك نصان لا يمكن الجمع بينهما بأي وجه من الوجوه, الا باسقاط احدهما وابقاء الاخر ... فان كان في التعميم والتخصيص والاطلاق والتقييد ابداع في الفهم, وتعمق في الرؤية, فان النسخ يقف على النقيض من ذلك ليقول - اجتهادا - بأن احد النصين قد رفع حكمه .. لذا رأينا ان النسخ قد يتضخم عند احد المفسرين, ويتضاءل عند اخرين .. ولست ارى ان ذلك يرجع الا لامر واحد: وهو ان النسخ هو محاولة اجتهادية, ولو كانت توقيفية, لما رأينا هذا الاختلاف الكبير ..
¥