فكيف خفي عليهم هذا العلم جملة وتفصيلاً وعرفه من بعدهم؟ هذا لا يكون أبداً، وما يذكره بعضهم من أمثلة على هذا الإعجاز المزعوم كثير منه لا يصح فيه العد أصلاً – كما في موضوعنا هذا كما سيأتي – وما كان العد فيه صحيحاً فإنه ما يُذكر معه إنما هو من باب الموافقة والمصادفة، ولا يعجز الإنسان إذا أحصى أموراً كثيرة مما ورد في القرآن – مثلاً – كعدد المرات التي ذكرت فيها الجنة، والنار، والبر، والأبرار، والخير، والشر، والنعيم، والجزاء، والعذاب، والمحبة، والبغض، والكفار، وأصحاب الجنة، وأصحاب النار، والمؤمنون، والكفار، والمنافقون، والكفر، والإيمان، والنفاق ... الخ.
فإذا أحصيت ذلك كله ستجد أشياء منه تستطيع أن تلفق منها بعض الفِرَى، فقد تتساوى بعض الأعداد، أو يكون بعضها على النصف بالنسبة لغيره، وهكذا مما لا يعجز معه أهل التلبيس من إيجاد وجوه للربط بينها، يطرب لها بعض السذج والمغفلين. وليس المقصود هنا التفصيل فيما يٌسمى بـ (الإعجاز العددي) [ورأيت بعضم يحتج له بأن الله جعل خزنة النار تسعة عشر، وهذا الحكمة يعلمها الله تعالى ولكن ما وجه الإعجاز في ذلك؟ وهكذا سائر الأعداد المذكورة في القرآن كأبواب النار وغير ذلك وسيكون بيان ذلك كله – ان شاء الله – في غير هذه الورقات عند الكلام على التفسير العلمي للقرآن]. وإنما المقصود الإشارة الى بطلان هذا الأمر الذي تدور حوله تلك الورقة المشار إليها.
الثاني: زعم هذا الكاتب أن رقم السورة – وهو تسعة – موافق للشهر الذي وقع فيه الحدث، وهو الشهر التاسع. والجواب عن هذا لا يخفي إذ إن ترتيب السور في المصحف لم يكن عن توقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كان عن اجتهاد صدر عن الصحابة رضي الله عنهم في زمن عثمان رضي الله حينما جمع الناس على مصحف واحد. [مع أننا نقول في الوقت نفسه: إن هذا الترتيب وقع عليه إجماع الصحابة رضي عنهم في زمن عثمان رضي الله عنه، فينبغي اتباعه في طباعة المصاحف ولا تصح مخالفته].
وإذا كان الأمر كذلك؛ فلا يجوز أن يٌرتب على هذا الترتيب للسور استنباطات في المعاني ولا غيرها، ومعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم قبل جمع عثمان رضي الله عنه للمصاحف كانوا يتفاوتون في ترتيب مصاحفهم، فبعضهم كان يرتب السور حسب النزول، وبعضهم على غير ذلك، وبهذا تعرف قيمة ما بناه ذلك الكاتب على هذا الرقم (9).
الثالث: زعم كاتب الورقة أن سورة براءة تقع في الجزء الحادي عشر من أجزاء القرآن الكريم، وأن هذ يوافق اليوم الذي وقع فيه الحدث، وهو اليوم الحادي عشر.
والجواب عن هذا يتبين مما قبله، إذ لو لم تٌرتب السور في المصحف على هذا الترتيب الذي أجمع عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم زمن عثمان رضي الله عنه لما وقعت السورة في الجزء المشار إليه. هذا من جهة.
ومن جهة أخرى نقول: إن تجزئة القرآن على ثلاثين جزءاً لم تكن معروفة زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا في زمن الصحابة، ولا في زمن عثمان رضي الله عنه ولا قبله ولا بعده، وإنما وقع ذلك بعدهم، وكان الصحابة رضي الله عنهم يحزبون القرآن بطريقة أخرى حسب السور على النحو الآتي:
1 - السبع الطوال. 2 - المئتين. 3 - المثاني. 4 - المفصل.
ولا شك أن هذا الترتيب الذي كانوا عليه أدق وأفضل، إذ إن ترتيب القرآن على الأجزاء يفضي إلى انتهاء الجزء قبل تمام المعنى، حيث يفصل بين أجزاء الموضوع الواحد، أما طريقة الصحابة رضي الله عنهم فهي – كما سبق – على السور، وبناء على ذلك تكون المعاني تامة.
وإذا كان الأمر كذلك فليس لأحد أن يتمسك برقم الجزء الذي وقعت فيه السورة ليربط بينه وبين أمر آخر ليخرج لنا بمعنى كهذا.
الرابع: في البداية كانت الآية التي تعلق بها الكاتب هي الآية رقم (110) من سورة التوبة، وهي قولة تعالى:} لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110) {وإنما تعلق بهذة الآية لتوافق عدد الأدوار في الأبراج حيث تبلغ هذا العدد، ولكن مضمون الآية لا يساعده، وإنما المناسب ان تكون الآية التي قبلها وهي (109) وذلك قوله تعالى:} أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا
¥