جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ (109) {ثم رأيت في الأوراق المنشورة مؤخراً الإحالة إلى هذه الآية (109) لكن هذه يتطلب كذبة إضافية لحبك الدعوى، ولم يتطلب هذا من الكتاب كبير جهد حيث زعم أن عدد الأدوار (109) فأسقط دوراً ليوافق ذلك مدَّعاه، وهذا من أعجب الأمور!! ولا أدري كيف يسمح الناس لمثل هذا أن يستخف بعقولهم إلى هذا الحد؟
الخامس: أن مبنى هذه الارتباطات على الحساب الشمسي، وهو حساب متوارث عن أمم وثنية، ولم يكن معتبراً لدى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وإنما الحساب المعتبر في الشرع هو الحساب بالقمر والأهلة، وهو الأدق والأضبط، ومما يدل على أن المعروف في شرائع الأنبياء هو الحساب بالقمر والأهلة حديث عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ وَأُنْزِلَتْ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ وَالْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ وَأُنْزِلَ الْفُرْقَانُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ] أخرجه أحمد والبيهقي في الشعب، وإسناده حسن، وذكره الألباني في الصحيحة، وصحيح الجامع.
وهذا لا يعُرف إلا إذا كان الحساب بالقمر والأهله، ويدل عليه أيضاً الحديث المخرج في الصحيحين عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى. . . " وقد صرح الحافظ رحمه الله أنهم كانوا لا يعتبرون الحساب بالشمس [انظر: الفتح 4/ 291، وانظر 7/ 323].
وقال ابن القيم رحمه الله تعليقا على قوله تعالى:} هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ (5) {[سورة يونس].
وقوله تعالى:} وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) {[سورة يس].ولذلك كان الحساب القمري أشهر وأعرف عند الأمم وأبعد من الغلط، وأصح للضبط من الحساب الشمسي، ويشترك فيه الناس دون الحساب، ولهذا قال تعالى في القمر} وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ (5) {[سورة يونس].
ولم يقل ذلك في الشمس، ولهذا كانت أشهر الحج والصوم والأعياد ومواسم الإسلام إنما هي على حساب القمر وسيره ونزوله في منازله لا على حساب الشمس وسيرها حكمة من الله ورحمة وحفظاً لدينه لاشتراك الناس في هذا الحساب، وتعذر الغلط والخطأ فيه، فلا يدخل في الدين من الاختلاف والتخليط ما دخل في دين أهل الكتاب. [مفتاح دار السعادة ص 538 - 539].
وربما يُفهم من العبارة الأخيرة لابن القيم رحمه الله أن أهل الكتاب كانوا يعتمدون الحساب الشمسي، وهذا قد صرح الحافظ ابن حجر رحمه الله برده بعد أن نسبة لابن القيم [انظر الفتح 7/ 323].
الواقع أنه لم يكن معتبراً في شرعهم وإنما وقع لهم بعد ذلك لدى جهلتهم، ويؤيده ما أخرجه الطبراني عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال:" ليس يوم عاشوراء باليوم الذي يقوله الناس، إنما كان يوم تٌستر فيه الكعبة، وكان يدور في السنة وكانوا يأتون فلاناً اليهودي – يعني ليحسب لهم – فلما مات أتوا زيد ين ثابت فسألوه" [قال في الفتح: وسنده حسن 4/ 248].
وقد فسره الحافظ رحمه الله بما نقله من كتاب "الأثار القديمة "للبيروني، ما حاصله:"أن جهلة اليهود يعتمدون في صيامهم وأعيادهم حساب النجوم، فالسنة عندهم شمسية لا هلالية، قال الحافظ: فمن ثم احتاجوا إلى من يعرف الحساب ليعتمدوا عليه في ذلك " [السابق، وللتوسع في هذا الحساب راجع: صحيح الأعشى 2/ 382 - 401].
¥