الأول: أن ترتيب الأجزاء من عمل المتأخرين، وليس فيه توقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، فهو عمل اجتهادي.
الثاني: أن في ترتيب السور قولين: قيل: إنه اجتهادي، وقيل: إنه توقيفي، ولعل من ظهر له ذها التوافق العجيب لا يعلم بهذا، وإن علم فهل حرر مسألة التوقيف والاجتهاد في ترتيب السور ليجعل ما توصل إليه من هذا التوافق صحيحا.
الثالث: هل يعلم قائل هذا القول علما يسمى " علم عدِّ الآي " وهل يعلم أنه مختلف في عدد آي السورة على قولين: الجمهور على أنها مائة وثلاثون آية، وفي العد الكوفي الذي عليه عدُّ المصحف الذي بين يديك عدد آياتها مائة وتسع وعشرون آية. وعلى قول الجمهور ينتقض عدد الآية؛ لأنه يكون عددها على قولهم آية 111، فهل دري بهذا، وحرر هذه المسألة؟.
وكأني بك القريء الكريم تقول: قد أطالت في هذا، وهو مما لايحتاج إلى إطالة في بطلانه، فأقول لك معتذرا: إن عصرك عصر يسود فيه من يأتي بالغرائب، ويبرز فيه من يحسن جلبها ن فأحببت أن أرد من يتعرض لكتاب الله بما لا يقبله عقل العقلاء؟ ولكي يعلم أن العلم له باب من أراده من غير بابه خرج بما لا تقبله العقول، وجاء بما لا ينطلي إلا على قلوب الأغرار، ولو كانوا يٌعدون عند الناس من الكبار.
وإني أخبرك بأنك لست بحاجة للإثبات عظمة القرآن وصدقه إلى هذا السبيل، وهو ما يسمى بالإعجاز، إذ أنه ليس هو السبيل الوحيد لإثبات عظمة هذا القرآن، بل هو أحد هذه السبل، واعلم أن العلم وحده قد لا يكفي ما لم يكن له قوة تحميه، وإن الله ليزع بالسلطان ما لايزع بالقرآن، فافهم عني ما قلت، والله الموفق إلى سواء السبيل.
السؤال الثاني: قال السائل سمعت في شريط الإعجاز العلمي للدكتور زغلول النجار حديثه عن ما يتعلق بقوله تعالى: " وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ " [حديد: 25] وكان مما قاله في هذا ما نصه: " كنت أٌ لقي هذه المحاضرة في جامعة ملبورن في أستراليا من أربع سنوات، فوقف لي أستاذ كيمياء في الجامعة، وقال لي: ياسيدي، هل حاولت أن تقارن بين رقم سورة الحديد في القرآن الكريم والوزن الذري للحديد، ورقم الآية في السورة والعدد الذري للحديد؟.
قلت له: لا، موضوع الأرقام موضوع حرج للغاية، إذا لم يدخله الإنسان بحذر شديد يدمِّر نفسه.
قال: ارجوك، حينما تعود إلى بلدك أن تتحقق من هذه القضية ...
أتيت بالمصحف الشريف، وبالجدول الدوري للعناصر، وكتاب في الكيمياء غير العضوية، فأذهلني أن رقم سورة الحديد سبع وخمسون، والحديد له ثلاث نظائر (54، 56، 57) ورقم الآية في السورة (25)، والعدد الذري للحديد (26)، فقلت: إن هذا القرب الشديد لا بدَّ أن له تفسيرا، فألهمني ربي آية قرآنية مبهرة، يقول فيها الحق تبارك وتعالى مخاطبا هذا النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم ... " وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ " [الحجر: 87]، فالقرآن بنصه يفصل الفاتحة عن بقية بنصه يفصل الفاتحة عن بقية القرآن الكريم، ويعتبر الفاتحة مقدمة للقرآن، فقلت: إذا فصلنا الفاتحة عن بقية سور القرآن الكريم يصبح رقم سورة الحديد (56)، ولو بقيت (57)، ففيه نظير للحديد (57)، لكن أكثر النظائر انتشارا للحديد (56).
الآية رقم (25)، والعدد الذري للحديد (26)، ووجدت القرآن الكريم يصف الفاتحة بأنها سبع من المثاني، وآياتها ستٌّ، فالبسملة آية من الفاتحة وآية من كل سورة قرآنية ذكرت فيها البسملة ما عدا سورة التوبة، فإذا أضفنا البسملة في مطلع سورة الحديد يصبح رقم الآية (26)، ويعجب الإنسان إلى هذه اللفتة المبهرة، من الذي علَّم المصطفى صلى الله عليه وسلم ذلك قبل ألف واربع مئة سنة، لم يكن أحد يعلم شيئا عن الأوزان الذرية، ولا لأعدادها الذرية، ولكن هذه معجزة هذا الكتاب الخاتم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهذه الومضات القرآنية المبهرة تبقى دائما شهادة صدق على أن القرآن كلام الله، وأن هذا النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم كان موصولا بالوحي " (محاضرة الإعجاز العلمي في القرآن الكرم، للدكتور زغلول النجار، تسجيلات أحد).
¥