تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أضيفت الجاهلية إلى "الظن" في آية تتحدث عن المنافقين، وتذمهم لسوء فعلهم في غزوة أحد. قال تعالى: (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً يغشى طائفة منكم، وطائفة قد أهمّتهم أنفسهم، يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية، يقولون هل لنا من الأمر من شيء، قل إن الأمر كله لله، يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك، يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا) (آل عمران: 154).

منَّ الله على الصحابة الصادقين المجاهدين في غزوة أحد بأن أنزل عليهم نعاساً غشيهم، فأمنوا واطمأنوا، وزال غمّهم. أما المنافقون والذين في قلوبهم مرض فقد كانوا قلقين مضطربين، لأنهم أهمتهم أنفسهم، ولم يهتموا بالمصلحة العامة، وهؤلاء المنافقون كانوا يظنون بالله ظنّاً باطلاً، وهو ظن أهل الجاهلية، كانوا يظنون أن الله لن ينصر رسوله ولا دينه، ويخسر المسلمون المعركة في أحد، ولذلك دعوا إلى عدم الاشتراك في المعركة لأنه لا فائدة منها، ودعوا إلى عدم الخروج من المدينة، وهذا ما أشار به زعيم المنافقين عبدالله بن أبي، عندما استشار الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة عند الخروج إلى أحد، فلما خالفهم الرسول صلى الله عليه وسلم وخرج إلى أحد غضبوا، وقالوا: هل لنا من الأمر من شيء؟! ولو كان لنا من الأمر من شيء ما قتلنا ها هنا، ولكن النبي لم يسمع كلامنا، ولم يأخذ برأينا.

وقد وصفت الآية ظن المنافقين بوصفين قبيحين: (يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية)؛ إنه ظن غير الحق، أي أنه ظن الباطل، ثم هو ظن الجاهلية، لأن كل ظن باطل هو ظن الجاهلية.

"غير" صفة لموصوف محذوف هو المفعول المطلق. والتقدير: " يظنون بالله ظنّاً غير الحق. و "الجاهلية" مضاف إليه لمضاف محذوف، هو نفسه مضاف إليه للمصدر "ظن". والتقدير: ظن أهل الجاهلية؛ لأن الجاهلية لا تظن، وإنما يظن أهلها، فوصفت الآية الظن الباطل بأنه ظن أهل الجاهلية. والتقدير: يظنون بالله ظنّاً باطلاً غير حق، هو ظن أهل الجاهلية.

وظن أهل الجاهلية الباطل يتعلق بالعقيدة؛ لأنه ظن بالله باطل. وكل ظن باطل ظن جاهلي، وكل نظرة باطلة بالله نظرة جاهلية، وكل عقيدة باطلة عقيدة جاهلية. والجاهلية هنا جاهلية ظن وعقيدة، وتصور ونظرة.

ثانياً: حكم الجاهلية:

قال تعالى: "أفحكم الجاهلية يبغون، ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون" (المائدة: 50). تذم الآية الذين يرفضون حكم الله، وهو الحكم الصحيح الصادق العادل، ويختارون حكم أهل الجاهلية عوضاً عنه، فكيف يبغون حكم أهل الجاهلية، ويتركون حكم الله الأحسن؟!

الهمزة للاستفهام الإنكاري، والفاء حرف عطف، و"حكم": مفعول به مقدم، فِعْله "يبغون". و"الجاهلية": مضاف إليه لمضاف محذوف، والتقدير: أيبغون حكم أهل الجاهلية؟!

تدعو الآية إلى المقارنة والمقابلة بين نوعين من أنواع الحكم: حكم الله، وحكم أهل الجاهلية. وتدعو إلى اختيار حكم الله، وتزكّيه قائلة: (ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون)؟! والاستفهام هنا تقريري، يقرر حقيقة بدهية أنه لا أحد أحسن حكماً من الله.

ومن لطائف الآية أنها مكونة من جملتين: الأولى: (أفحكم الجاهلية يبغون)، والثانية: (ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون). الأولى: جملة فعلية. والثانية: جملة اسمية. وفي كلٍّ جملة استفهام. لكنّ الاستفهام الأول بحرف، وهو "الهمزة"، والاستفهام الثاني باسم، وهو "مَنْ". والاستفهام الأول إنكاري، والاستفهام الثاني تقريري. والحكم مذكور في الجملتين، وكان فيهما منصوباً لكنه في الأولى مفعول به مقدم: (أفحكم الجاهلية يبغون)، وفي الثانية تمييز منصوب: (ومن أحسن من الله حكماً). والحكم في الأولى أضيف إلى مضاف إليه محذوف "حكم أهل الجاهلية"، مقيد به للتقبيح والذم، والحكم في الثانية مطلق (مَنْ أحسن من الله حكماً). وهذا الإطلاق للتكريم لأنه تمييز لحكم الله بأنه الأحسن!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير