وقد أشاد شيخ الإسلام ابن تيمية بسهل وأمثاله في الاعتقاد فقال: كلام سهل بن عبد الله في السنة وأصول الاعتقاد أسد، وأصوب من كلام غيره، وكذلك الفضيل بن عياض ونحوه فإن الذين كانوا من المشايخ اعلم بالحديث والسنة وأتبع لذلك هم أعظم علما وإيمانا وأجل قدراً في ذلك من غيرهم.
خامساً: شذرات من حكم هذا الإمام
• أصولنا سبعة: التمسك بالقرآن، والاقتداء بالسنة، وأكل الحلال، وكف الأذى، واجتناب الآثام، والتوبة، وأداء الحقوق.
• علامة حب الله حب القرآن، وعلامة حب النبي صلى الله عليه وسلم حب سنته، وعلامة حبها حب الآخرة، وعلامة حبها بغض الدنيا، وعلامة بغضها أن لا يتناول منها إلا البلغة.
• الأنفس معدودة، فكل نفس يخرج بغير ذكر الله فهي ميتة، وكل نفس يخرج بذكر الله فهي موصولة بذكر الله.
• أصل الدنيا الجهل، وفرعها الأكل والشرب واللباس والطيب والنساء والمال والتفاخر والتكاثر، وثمرتها المعاصي، وعقوبة المعاصي الإصرار، وثمرة الإصرار الغفلة، وثمرة الغفلة الاستجراء على الله.
• أطيعوا السلطان في سبعة: ضرب الدراهم والدنانير، والمكاييل والأوزان، والأحكام، والحج، والجمعة، والعيدين، والجهاد. وإذا نهى السلطان العالم أن يفتي، فإن أفتى فهو عاص، وإن كان أميراً جائراً.
الباب الثاني: دراسة حول الكتاب
أولاً: التعريف بالكتاب:
اسم الكتاب:
عُرف الكتاب بتفسير التستري، وطبع في كتاب متوسط الحجم، باسم "تفسير القرآن العظيم".
وقد طُبع هذا التفسير بمصر، سنة 1326هـ/1908م.
مدى وثاقة الكتاب:
كسائر مؤلفات سهل رحمه الله، فإن هذا الكتاب عبارة عن أقوال لسهل، جمعها أبو بكر، محمد بن أحمد البلدي، المذكور في أول الكتاب، الذي يقول كثيراً، قال أبو بكر، سُئل سهل عن معنى كذا. فقال: كذا. ثم ضمنها هذا الكتاب، ونسبها إليه. ويرى الدكتور محمد كمال جعفر أن دور أبي بكر بالنسبة للتفسير هو الرواية عن طريق والده أبي النصر. ولما كان التفسير مجرد تعليقات مقتضبة على بعض آيات القرآن في مناسبات مختلفة فلا يستبعد أن يكون أبو بكر قد بوبه ورتبه حسب السور، مطعماً إياه ببعض الروايات التاريخية، أو السيرة الشخصية لسهل.
ومما يؤكد أن سهلاً لم يباشر كتابة التفسير بنفسه وجود بعض الروايات التاريخية، أو السيرة الشخصية لسهل، مثل خبر احتضاره، "قيل لسهل حين احتضر فيما تكفن؟ وأين تقبر؟ ومن يصلي عليك بعد موتك؟ فقال أُدبر أمري حياً وميتاً، وقد كُفيت عنه بسابق تدبير الله تعالى لعبده"، وذلك عند ذكر تفسير قوله تعالى:} يدبر الأمر {.
وذُكر في تفسيره أيضاً: " كان من طريقه وسيرته أنه كثير الشكر والذكر، دائم الصمت والفكر، قليل الخلاف سخي النفس، قد ساد الناس بحسن الخلق والرحمة والشفقة عليهم والنصيحة لهم، متمسكاً بالأصل، عاملاً بالفرع، قد حشى الله قلبه نوراً، وانطلق لسانه بالحكمة، وكان من خير الأبدال، وإن قلنا من الأوتاد فقد كان القطب الذي يدور عليه الرحى، ولولا أن الصحابة لا يقاس بهم أحد لصحبتهم و رؤيتهم لكان كأحدهم، عاش حميدا ًومات غريباً بالبصرة رحمه الله ".
وذكر صفاته ومكان وفاته في تفسيره دليل قوي على عدم مباشرة سهل لكتابة تفسيره بنفسه.
وأيضاً وجود شرح لبعض أقواله، قال سهل: "فلابد للعبد من مولاه، ولابد له من كتابه، ولابد له من نبيه صلى الله عليه وسلم، إذ قلبه معدن توحيده، وصدره نور من جوهره، أخذ قواه من معدنه إلى هيكله .... ".
قوله: "صدره نور" أي موضع النور. "من جوهره" وهو أصل محل النور في الصدر، الذي منه ينتشر النور في جميع الصدر، وإضافة الجوهر إلى الله تعالى ليس المراد ذاته، وإنما هي على طريق الملك .... ".
أضف إلى ذلك وجود أقوال مثل: سئل سهل، قيل لسهل، قلت لسهل، سمعته يقول.
ولا يمنع كل ذلك صحة الحكم بأن ما به من أقوال يمثل في أمانة أراء سهل وأقواله، ذلك أن أسرة أبي بكر -جامع التفسير- ذاع صيتها في العالم الإسلامي من حيث اهتمامها بجمع ورواية الحديث وما تتصل بها من العلوم الدينية. ويعتبر أبو بكر ووالده من الثقات الذين يُعتد بروايتهم لشهرتهم بالضبط والتحري، ومن بين ما رواه الجامع الصحيح البخاري.
وإلى جانب ذلك فإن معظم ما ورد في التفسير من أقوال سهل، موثقة في مصادر أخرى، مثل الرسالة القشيرية، وحلية الأولياء، وشذرات الذهب.
¥