أولاً: لم يقتصر سهل رحمه الله في تفسيره على المعاني الإشارية وحدها، بل نجده يذكر أحياناً المعاني الظاهرة ثم يعقبها بالمعاني الإشارية. مثال تفسير قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ ?لْكَلِمُ ?لطَّيِّبُ و َ?لْعَمَلُ ?لصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}] فاطر10 [قال: ظاهرها الدعاء والصدقة، وباطنها الذكر، عملاً بالعلم، وإقبالاً بالسنة، يرفعه أي يوصله بالإخلاص فيه لله تعالى.
ويقول في تفسير قوله تعالى: {و َ?عْبُدُواْ ?للَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً و َبِ?لْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي ?لْقُرْبَى? و َ?لْيَتَامَى? و َ?لْمَسَاكِينِ و َ?لْجَارِ ذِي ?لْقُرْبَى? و َ?لْجَارِ ?لْجُنُبِ و َ?لصَّاحِبِ بِ?لجَنْبِ و َ?بْنِ ?لسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ ?للَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً}] النساء36 [. "وأما ظاهرها فالجار الجنب البعيد الأجنبي. والصاحب بالجنب هو الرفيق في السفر، وقد قيل الزوجة، وابن السبيل الضيف. وأما باطنها فالجار ذو القربى هو القلب، والجار الجنب هو الطبيعة، والصاحب بالجنب هو العقل المقتدى بالشريعة، وابن السبيل هو الجوارح المطيعة لله".
وتعتبر مثل هذه التفاسير كلاماً صحيحاً في ذاتها، إلا أنها لا تعد تفسيراً وبياناً لمعاني الآيات ومراد الله، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع فتاويه قوله: "أما الذين يخطئون في الدليل لا في المدلول فمثل كثير من الصوفية والوعاظ والفقهاء وغيرهم، يفسرون القرآن بمعانٍ صحيحة لكن القرآن لا يدل عليها".
ويعد هذا التفسير من قبيل ذكر منهم لنظير ما ورد في القرآن، فإن النظير يذكر بالنظير، كما بين ابن الصلاح رحمه الله ذلك في مقالته.
ثانياً: ويصرح أحياناً بالمعنى الباطن وحده، دون أن يذكر المعنى الظاهر، مثل قوله تعالى:} وَهُوَ يُحْيِي ?لْمَوْتَى? {[الشورى9] باطنها قلوب كل أهل الحق يحييها بذكره ومشاهدته.
ثالثاً: قليلاً ما كان يقتصر على المعنى الظاهر. مثال قال تعالى: {وَلاَ تَجَسَّسُواْ} [سورة الحجرات آية12] قال: أي لا تبحث عن المعايب التي ٍسترها الله على عباده، فإنك ربما تُبتلى بذلك.
رابعاً: ويصرح أحياناً بلفظ الإشارة، مثال قوله تعالى: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُو?اْ إِنَّ فِي ذ?لِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [النمل52]. قال: "الإشارة في البيوت إلى القلب، فمنها ما هو عامر بالذكر، ومنها ما هو خرب بالغفلة، ومن ألهمه الله عز وجل بالذكر فقد خلصه من الظلم".
خامساً: حين يعرض سهل للمعاني الإشارية لا يكون واضحاً في كل ما يقوله، بل تارة يأتي بالمعاني الغريبة التي نستبعد أن تكون مرادة لله تعالى، وذلك كالمعاني التي ذكرناها في فصل (قول بسم الله الرحمن الرحيم). ومثل تفسيره لفاتحة البقرة {ال?م?} حيث قال سهل: "فأما هذه الحروف إذا انفردت، فالألف تأليف الله عز وجل ألف الأشياء كما شاء، واللام لطفه القديم، والميم مجده العظيم".
وهذه الأمثلة يتضح فيها شطط هذا الاتجاه، والمغالاة فيه. وقد ذكر ابن تيمية في مجموع فتاويه، عن تفسير الصوفية قوله: "وإن كان فيما ذكروه ما هو معانٍ باطلة فإن ذلك يدخل في القسم الأول، وهو الخطأ في الدليل والمدلول جميعاً، حيث يكون المعنى الذي قصدوه فاسداً".
سادساً: قد يأتي التستري رحمه الله بمعانٍ غريبة يمكن أن تكون من مدلول اللفظ، أو مما يشير إليه، ولا يذكر أنها من قبيل الباطن أو الظاهر. مثل تفسيره لقوله تعالى: {فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة23] أي أضدادا. ً فأكبر الأضداد النفس الأمارة بالسوء المتطلعة إلى حظوظها ومناها بغير هدىً من الله.
ومن المعلوم أن الأنداد في هذه الآية المقصود بها الأصنام، ولكن رحمه الله جعل النفس الأمارة بالسوء داخلة تحت عموم الأنداد. وقد يكون لهذا التفسير وجه من الصحة، حيث أن النفس الأمارة قد تقود صاحبها للهلاك، وتصبح إلهه الذي يوجهه، كما قال تعالى:} أفرأيت من اتخذ إلهه هواه {. ومن المهم أن لا نعتبر بمثل ذلك تفسيراً لمراد الله بعينه، وإنما يُقصد به ذكر النظير.
¥