سابعاً: لم يخلو تفسير التستري رحمه الله من القول بالمأثور، فقد ذكر فيه كثير من النقول عن الصحابة والتابعين، مثال قوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل72] قال: روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: الحفدة الأختان. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: البنون الصغار الصغار، والحفدة الذين يعينون الوالد على عمله. وعن الضحاك قال: الحفدة الخدمة لله إيجاباً بغير سؤال منهم غيره.
ثامناً: أن تفسير التستري يختلف اختلافا كاملاً عن تفسيرات المدارس الكلامية، وتفسيرات الباطنية، ويمكن الاستدلال على ذلك بأن التستري لا يؤول الآيات القرآنية المشيرة إلى ما قد يفهم من تشبيه كآيات الوجه واليدين تلك الآيات التي اضطرت العقليين إلى تأويلها وصرفها عن معناها الظاهر. مثال قوله تعالى: {يَدُ ?للَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمًْ} [الفتح10] أي حول الله وقوته فوق قوتهم وحركتهم، وهو قولهم للرسول صلى الله عليه وسلم عند البيعة: "بايعناك على أن لا نفر ونقاتل لك". وفيها وجه آخر أي منة الله عليهم في الهداية لبيعتهم وثوابه لهم فوق بيعتهم وطاعتهم لك.
ولقد سُئل عن ذات الله سبحانه، فقال: "ذات موصوفة بالعلم، غير مدركة بالإحاطة ولا مرئية بالإبصار في دار الدنيا، وهي موجودة بحقائق الإيمان من غير حد ولا حلول، وتراه العيون في العقبى ظاهراً في ملكه وقدرته. وقد حجب سبحانه وتعالى الخلق عن معرفة كنه ذاته، ودلهم عليه بآياته، فالقلوب تعرفه، والأبصار لا تدركه، ينظر إليه المؤمنون بالأبصار من غير إحاطة ولا إدراك نهاية".
كما أن التستري لا ينفي قواعد الشريعة، ولا يحول الآيات المتعلقة بها إلى معاني رمزية أو مجازية، كما أنه لا يجعل للمعاني المباشرة التي يشهد لها النص مركزاً ثانوياً، أو تابعاً لمعناها الإشاري، بل يجعل المعنى الأصلي أساسا ً. مثال قوله تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى ?لصَّلَوَاتِ} [البقرة238] أي داوموا على إقامتها.
تاسعاً: تعلو نغمة الوعظ، وتطهير القلوب، وتزكية النفوس، والتحلي بالأخلاق والفضائل، منهج سهل في تفسيره. مثال ذلك تصديره بكلمة اعلموا في كثير من كلامه، قال تعالى: {و َ?لْمُؤْمِنُونَ و َ?لْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} [التوبة71] قال: موالاته مع المؤمنين، كف الأذى عنهم. قال: واعلموا أن العبد لا يبلغ حقيقة الإيمان حتى يكون لعباد الله كالأرض، إذ هم عليها ومنافعهم منها.
ومنه أيضاً ذكر حكايات الصالحين وأخبارهم، مثال عند تفسيره لسورة العصر، ذكر: "أن رجلاً لحق أويس القرني رحمه الله فسمعه يقول: اللهم إني أعتذر إليك اليوم من كل كبد جائعة وبدن عاري، فإنه ليس في بيتي من الطعام إلا ما في بطني، وليس شيء من الدنيا إلا ما على ظهري. قال: وعلى ظهره خريقة قد تردى بها.
عاشراً: يسلم سهل بالحادثة التاريخية التي تتصل بالأحداث الماضية، بل ربما استغلها في تأسيس معنى يهدف إلى مواطن العبرة والعظة للنفس الإنسانية، من ذلك تفسيره لقوله تعالى: {و َ?تَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى? مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ} [الأعراف148] قال: عجل كل إنسان ما أقبل عليه، فأعرض به عن الله من أهل وولد، ولا يتخلص من ذلك إلا بعد إفناء جميع حظوظه من أسبابه، كما لم يتخلص عبدة العجل من عبادته إلا بعد قتل النفوس.
الحادي عشر: قد يحيل بعض الموضوعات والظواهر الكونية إلى حالات أو مبادئ نفسية بغية ترقيق القلوب، وشحذ روحانيتها، باستخدام رموز معينة، فالبحر وأم القرى والبيت المعمور تشير إلى القلب. مثال قوله تعالى: {مَرَجَ ?لْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} [الرحمن19] قال: أحد البحرين القلب، فيه أنواع الجواهر: جوهر الإيمان وجوهر المعرفة وجوهر التوحيد وجوهر الرضى وجوهر المحبة وجوهر الشوق وجوهر الحزن وجوهر الفقر وغيرها، والبحر الآخر النفس.
الثاني عشر: يستمد من اللغويين ما يرتضيه من معان، وخاصة من أبي عمرو بن العلاء، أحد القراء السبعة، ومن أئمة اللغة والأدب. مثال ذلك قوله تعالى: {وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ} [هود91] قال: حكى محمد بن سوار عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال: الرهط الملأ، والنفر الرجال من غير أن تكون فيهم امرأة.
¥