فيه قوله: " فيما بلغنا "، فهذه الرواية مثل رواية أحمد و ابن أبي شيبة عن عبد الرزاق تؤكد أن إسقاط ابن أبي السري من الحديث قوله: " فيما بلغنا " خطأ منه ترتب عليه أن اندرجت القصة في رواية الزهري عن عائشة، فصارت بذلك موصولة، و هي في حقيقة الأمر معضلة، لأنها من بلاغات الزهري، فلا تصح شاهدا لحديث الترجمة المذكورة أعلاه، قال الحافظ ابن حجر بعد أن بين أن هذه الزيادة خاصة برواية معمر، و فاته أنها في رواية يونس بن يزيد أيضا عند أبي عوانة، قال: ثم إن القائل: " فيما بلغنا " هو الزهري، و معنى الكلام أن في جملة ما وصل إلينا من خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه القصة، و هو من بلاغات الزهري، و ليس موصولا، و قال الكرماني: هذا هو الظاهر و يحتمل أن يكون بلغه بالإسناد المذكور، و وقع عند ابن مردويه في " التفسير " من طريق محمد بن كثير عن معمر بإسقاط قوله: " فيما بلغنا "، و لفظه " فترة حزن النبي صلى الله عليه وسلم منها حزنا غدا منه " إلخ، فصار كله مدرجا على رواية الزهري و عن عروة عن عائشة، و الأول هو المعتمد. و أشار إلى كلام الحافظ هذا الشيخ القسطلاني في شرحه على البخاري في " التفسير " و اعتمده، و محمد بن كثير هذا هو الصنعاني المصيصي قال الحافظ في " التقريب ": صدوق كثير الغلط. و أورده الذهبي في " الضعفاء " و قال: ضعفه أحمد.
قلت: فمثله لا يحتج به، إذا لم يخالف، فكيف مع المخالفة، فكيف و من خالفهم ثقتان عبد الرزاق و يونس بن يزيد، و معهما زيادة؟!
و خلاصة القول أن هذا الحديث ضعيف لا يصح لا عن ابن عباس و لا عن عائشة،
و لذلك نبهت في تعليقي على كتابي " مختصر صحيح البخاري " (1/ 5) على أن بلاغ
الزهري هذا ليس على شرط البخاري كي لا يغتر أحد من القراء بصحته لكونه في "
الصحيح ". والله الموفق.
وانما اعترضت على قوله منكرة لان النكارة لها مدلول يختلف عن الضعف من حيث الراوي والمعنى. وأظن أن السائح بارك الله فيه لم يقصد ذلك لذا سألته.
ـ[السائح]ــــــــ[05 Mar 2006, 10:52 م]ـ
بسم الله، والحمد لله.
أخي عز الدين، حفظك الله.
نكارة الحديث آتيةٌ من ناحيتين:
1 - عدم وروده بسند صحيح متّصل، ولو كان عند الزهري - رحمه الله - عن ثقة؛ لصاح بذلك إن شاء الله تعالى، ولو لا أن المجال هنا يَضيق؛ لنقلتُ من أقوال الأئمة الجهابذة توهينَهم وتوهيَتهم مراسيل الزهري، والزهري من كبار الحفّاظ، ولو كان أخَذَ الحديث عن صحابيّ، أو تابعيّ ثقة؛ لبادر إلى ذلك وسارع؛ لذلك فالأرجح الأشبه بالصواب أن هذا الحديث معضل، كما يَظهر للمتأمّل المُْنعم النظر.
2 - فيه نسبة همّ النبي صلى الله عليه وسلم بالتردّي من رؤوس شواهق الجبال مرارا وتكرارا، وهذا لا يليق بأشرف خلق الله تعالى، وأقربهم إليه زُلفى.
نعم؛ قد تأثّر النبي صلى الله عليه وسلم من فترة الوحي؛ حتى أنزل الله تعالى عليه سورة الضحى، لكن لم يبلغ به الأمر صلى الله عليه وسلم إلى همّه بالتردّي من رؤوس شواهق الجبال مرارا، وقد عُلم الوعيد الشديد، والتحذير الأكيد الوارد في النهي عن قتل النفس بأنواعه.
وأدعو كلّ ناصح لنفسه، مُتحرّ في أمور دينه، أن ينأى عن كلّ ما لم يثبت عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، خاصة في أمر يتشبّث به ذوُو الضغن والإحن، ويتوسلون ويتوصلون - وما أبعدهم عن ذلك - إلى الطعن في نبيّنا الكريم صلى الله عليه وسلم، ونحن نُعاني الآن من حملة مُعبّأة مُركّزة قائمة على قدم وساق للنيل من النبي العظيم صلى الله عليه وسلم؛ فاللهَ اللهَ، لا يُؤتََينّ دينُنا من قبلنا.
وقد قيّض الله جلّ وعزّ لسُنة نبيّه الكريم صلى الله عليه وسلم جهابذةً حُفّاظاً، ونُقّاداً أيقاظاً، وصيارفةً أفذاذاً، توفّروا على حفظ السنة وتحريرها، وتنقيتها مما شابَها من أُخلوقات كدّرتْ صفوَها، وأصّلوا قواعد وأركانا عليها تقوم، وبها تحيا وتبقى صافية نقيّة، وسُقيا لمن قال: الإسناد من الدين، ولو لا الإسناد؛ لقال من شاء ما شاء، فإذا قيل له: من حدّثك؛ بقي!
¥