ولو وقع الهمّ منه؛ لنقله الحّفاظ الأيقاظ بالأسانيد الوثيقة، والطرق المتينة، وعدم وروده بالأسانيد الصحيحة المُتّصلة قرينة قويّة على نكارته وعدم صحّته، ولا ريب أن أوثق من روى قصة بدء الوحي بتفصيل وتطويل: أم المؤنين عائشة رضي الله عنها، ورواه عنها أثبت الناس فيها ابنُ أختها الحافظُ الإمام الفقيه عروة بن الزبير، وعنه روى الزهري أصل الحديث، وبالتأمل وإنعام النظر يظهر لك أن مُبلّغ الزهري - وهو مُبْهَمٌ لم يوقف على عينه ولا على حاله - قد شذّ بهذا الخبر الغريب المُنكر، ثمّ لم يظهر أنه مسند متّصل، ولو وقع الهمّ منه صلى الله عليه وسلم؛ لكان عروة أولى بحفظه وروايته، والحمد لله الحافظ لدينه أن وفّق لنا أئمة أسّسوا قواعدَ وأصولاً تُمَكّننا من دفع الأُخلوقات المُلصقة بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
والتساهل في أمر قَبول المراسيل والمعاضيل يُوردنا موارد خطيرة، دينُنا في غنى عن إقحامه فيها، وأُخلُوقة الغرانيق قد رُويت من طُرق مرسلة أقوى من حديث الهمّ، ومع ذلك تتابع كثيرٌ من المُحقّقين على إبطالها، وعفا الله عمّن قوّاها بمجموع طّرقها الواهية، ولم يَنفُذ إلى ما تحويه من كوائن تقلّدها الملاحدة للطعن في الوحي، والسعي الحثيث في تشكيك الناس في دينهم.
والأمر - والله - بحاجة شديدة إلى فقه ونفوذ وغَوْص في فقه علل المرويّات، وذَوق يكاد يّلْحق من حصّل أدَواته بصحبة أولئك الأفذاذ، واستشعار أنفاسهم، وهذه المَلكة لن يُؤتاها إلاّ من لم يكن له شأنٌ إلاّ هذا الشأن.
والحاصل أنني أنصح كلّ مؤمن يرجو يوم الحساب أن يحترم الاختصاصات، وأن يعلم أن الأعداء يتربّصون بنا الدوائر، وأنهم ينتهزون كلّ فرصة للنيل من ديننا ونبيّنا صلى الله عليه وسلم.
ووالله لست مُهَوّلا مُبالغا، بل أنا مُنطلق من واقع مَرير، بعد وقوف على مُخطّطات الأعداء وتآمراتهم، وتقفُّرهم لهاتيك الأُخلوقات الباطلات.
أسأل الله أن ينصر دينه وكتابه وسنة نبيّه، وأن يُبطل كيد الأعداء، وأن يوفّقنا لأن نكون في مستوى التحدّيات والتآمرات التي تُحاك لحرب ديننا، ومن أعظم ما بُلينا به أننا نلدغ من جُحُور الكفار مرات وكرات.
أخي مجدي، وفّقك الله.
قد تُوبع معمرُ، تابعَهُ: يونس بن يزيد الأيلي عند أبي عوانة في مستخرجه 1/ 274 ح: 245.
وفّقكم الله وبارك فيكم.
ـ[السائح]ــــــــ[05 Mar 2006, 10:55 م]ـ
أخي الفاضل مجدي، علم الله أنني كتبتُ المشاركة المتقدّمة قبل الاطّلاع على نقلك.
ـ[عزام عز الدين]ــــــــ[06 Mar 2006, 05:07 ص]ـ
اخي الكريم السائح. بارك الله فيك ..
كلمة اخرى و تصير هذه الزيادة جزءا من حملة الاساءة للرسول الكريم، و يصير الزهري متواطئا مع الحملة ..
اخي الكريم، هذه الحملة لا يجب ان تجعل رد فعلنا معاكسا بحيث يخرجنا من ثوابتنا الى منطقة " الغلو" المنهي عنها .. الا ترى ان حملة الاساءة قد قوبلت بكم من الاغاني و الاناشيد و القصائد المغناة التي تترنم بحب النبي عبيه افضل الصلاة و السلام بطريقة ما كانت الا ستثيرغضبه و استهجانه عليه الصلاة و السلام .. هل سينسحب ذلك الى حملة لنتقية البخاري مما صرنا نعده اليوم منكرا و ما لم يعده البخاري كذلك؟ و الا ما كان اورده اساسا؟
قولك عن " امر الهم" و تناقضه مع النصوص التي تنهى عن قتل النفس يجعلني اتوقف لأسالك سؤالا: هل تدرك ان كل ما نزل من القرآن -آنذاك- لم يكن سوى بضع ايات؟ و ان ما تتحدث عنه لم يكن قد تنزل بعد؟ هل ينبغي الحكم بأثر رجعي على امر تقول الزيادة - ان الرسول الركيم عليه الصلاة و السلام قد هم به؟؟
نفس الشي ينسحب على توقعك ان لو يكون " الهم قد حدث " فلكان نقل لنا عبر الحفاظ الثقاة، و لا اخالك الا تقصد انه لو كان حدث لكان اتصل السند!
لكنها فترة مبكرة يا اخي. و المسلمون كانوا قلة قليلة، و لولا حديث السيدة عائشة رضي الله عنها لكانت ظلت الفترة مبهمة .. و هي طبعا لم تعاصر الفترة و انما نقلت ذلك لاحقا بينما كان سيد البشر عليه الصلاة و السلام يجيبها عن سؤال محدد لها عن اول نزول الوحي .. و لذلك فعدم قول السيدة عائشة لا ينفي الامر كما لا يثبته ..
اما عن تصعيد الامر الى ما تسميه اولا "اخلوقة " الغرانيق، ثم تعود فتقويه و تجعله اقوى من هذه الزيادة الموجودة في صحيح البخاري فهو امر بمثل ما قد تقودنا ردود افعالنا له .. انك لكي تنسف امر الهم شبهتة بقصة الغرانيق، ثم عدت و قويت قصة الغرانيق!! بقولك انها اتت بطرق اقوى ..
هل يستقيم هذا اخي الكريم؟ لا اود فتح باب الغرانيق في النقاش لكن الزيادة في الحديث سواء اتت من معمر او من الزهري فهي منظبطة مع معايير بخارية معينة .. و لا يمكن حذفها بهذه السهولة و لو حصل و حذفت فأن معيار الحذف يجب ان يكون متسقا مع بنية الحديث و فترته الزمنية و ليس مع مجموعة احكام مسبقة اتت من احكام و نصوص لاحقة نحاكم بها هذه الزيادة ..
بالمناسبة: حذف هذه الزيادة بالمعيارالاسنادي الذي ذكرته حضرتك يجب ان يقودنا الى حذف كل زيادة مماثلة في البخاري و غيره، و ليس فقط لأن معناها كان - حسب ما تتصوره بناء على نصوص لاحقة- منكرا ..
اخي الركيم، اتفهم الواقع المرير الذي تنطلق منه لتقول ما قلت، لكن هذا ايضا خارج الصدد، لا يجب ان يقودنا اليأس الى غلو و تطرف نهانا عنه افضل الصلاة و السلام .. بل اني اهمس في اذنك لأقول انك - في هذا الواقع المرير- يجب ان تنظر اليه عليه افضل الصلاة و السلام في تلك الفترة: كان الواقع مريرا ايضا، مريرا جدا، و كانت المسؤلية على عاتقه ضخمة، كما هي علينا اليوم،و كان الامر انه كاد ان يكون في بطن حوت مظلم - الذي نحن فيه اليوم فعلا- لكن نزل الوحي ... لا تكن كصاحب الحوت ..
لذلك افخر بالزيادة. سيدى و رسولي كان بشرا. مر بما يمر به البشر مما قد يكون يفسر انه يأس، لكنه عبر بأتجاه الضوء و خرج من بطن الحوت، و لذلك فهو قدوتي، و ذلك كله سيجعلني اخرج من واقعي المرير ..
القدوة لا يمكن الا ان تكون ذلك. اي قدوة "ليست بشرية" هي ليست قدوة اصلا ..
بارك الله فيك اخي الكريم .. و سدد الله رأيك و جزاك الله عن غيرتك على دينه ..
¥