فإذا تأملت هذه المعاني ثم تأملت هذه المعاني ثم تلوت جميع آي القرآن لم تجد جملتها مجموعة في آية واحدة فإن شهد الله ليس فيها إلا التوحيد والتقديس وقل اللهم مالك الملك ليس فيها إلا الأفعال والفاتحة فيها الثلاثة لكن غير مشروحة في آية الكرسي والذي يقرب منها في جمعها أخر الحشر وأول الحديد ولكنها آيات لا آية واحدة فإذا قابلت آية الكرسي بإحدى تلك الآيات وجتها أجمع للمقاصد فلذلك استحقت السيادة على الآي وكيف وفيها الحي القيوم وهوالاسم الأعظم كما ورد به الخبر اه كلام الغزالي.
ثم قال: إنما قال صلى الله عليه وسلم في الفاتحة أفضل وفي أية الكرسي سيدة لسر وهوان الجامع بين فنون الفضل وأنواعها الكثيرة يسمى أفضل فإن الفضل هو الزيادة والأفضل هو الأزيد.
وأما السؤود فهورسوخ معنى الشرف الذي يقتضي الاستتباع ويأبى التبعية والفاتحة تتضمن التنبيه على معان كثيرة ومعارف مختلفة فكانت أفضل وآية الكرسي تشتمل على المعرفة العظمى التي هي المقصودة المتبوعة التي تتبعها سائر المعارف فكانت اسم السيد بها أليق. ثم قال في حديث قلب القرآن يس إن ذلك لأن الإيمان صحته بالاعتراف بالحشر والنشر وهومقرر في هذه السورة بأبلغ وجه فجعلت قلب القرآن لذلك واستحسنه الإمام فخر الدين.
وقال النسفي: يمكن أن يقال: إن هذه السورة ليس فيها إلا تقرير الأصول الثلاثة: الوحدانية والرسالة والحشر وهوالقدر الذي يتعلق بالقلب والجنان.
وأما الذي باللسان والأركان ففي غير هذه السورة فلما كان فيها أعمال القلب لا غير سماها قلبًا ولهذا أمر بقراءتها عند المحتضر لأن في ذلك الوقت يكون اللسان ضعيف القوة والأعضاء ساقطة لكن القلب قد أقبل على الله تعالى ورجع عما سواه فيقرأ عنده ما يزداد به قوة في قلبه ويشتد تصديقه بالأصول الثلاثة اه.
واختلف الناس في معنى كون سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن فقيل كأنه صلى الله عليه وسلم سمع شخصًا يكررها تكرار من يقرأ ثلث القرآن فخرج الجواب على هذا وفيه بعد عن ظاهر الحديث وسائر طرق الحديث ترده.
وقيل لأن القرآن يشتمل على قصص وشرائع وصفات وسورة الإخلاص كلها صفات فكانت ثلثا بهذا الاعتبار.
وقال الغزالي في الجواهر: معارف القرآن المهمة ثلاثة: معرفة التوحيد والصراط المستقيم والآخرة وهي مشتملة على الأول فكانت ثلثًا.
وقال أيضًا فيما نقله عنه الرازي: القرآن يشتمل على البراهين القاطعة على وجود الله تعالى ووحدانيته وصفاته: إما صفات الحقيقة وإما صفات الفعل وإما صفات الحكم فهذه أمور ثلاثة وهذه السورة تشتمل على صفات الحقيقة فهي ثلث.
وقال الخويبي: المطالب التي في القرآن معظمها الأصول الثلاثة التي بها يصح الإسلام ويحصل الإيمان وهي معرفة الله والاعتراف بصدق رسوله واعتقاده القيام بين يدي الله تعالى فإن من عرف أن الله واحد وأن النبي صادق وأن الدين واقع صار مؤمنًا حقًا ومن أنكر شيئًا منها كفر قطعًا وهذه السورة تفيد الأصل الأول فهي ثلث القرآن من هذا الوجه.
وقال غيره: القرآن قسمان: خبر وإنشاء.
والخبر قسمان وخبر عن المخلوق فهي ثلاثة أثلاف.
وسورة الإخلاص أخلصت الخبر عن الخالق فهي بهذا الاعتبار ثلث.
وقيل تعدل في الثواب وهوالذي يشهد له ظاهر الحديث والأحاديث الواردة في سورة الزلزلة والنصر والكافرون لكن ضعف ابن عقيل ذلك وقال: لا يجوز أن يكون المعنى فله ثلث القرآن لقوله من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات وقال ابن عبد البر: السكوت في هذه المسئلة: أفضل من الكلام فيها وأسلم ثم أسند إلى إسحاق بن منصور قلت لأحمد بن حنبل قوله صلى الله عليه وسلم قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن ما وجهه فلم يقم لي فيها على أمر.
وقال لي إسحاق بن راهويه: معناه أن الله لما فضل كلامه على سائر الكلام جعل لبعضه أيضًا فضلًا في الثواب لمن قرأه تحريضًا على تعليمه لا أن من قرأ قل هو الله أحد ثلاث مرات كان كمن قرأ القرآن جميعه هذا لا يستقيم ولوقرأها مائتي مرة.
وقال بن عبد البر: فهذان إمامان بالسنة ما قاما ولا قعدا في هذه المسئلة.
وقال ابن الميلق في حديث: إن الزلزلة نصف القرآن لأن أحكام القرآن تنقسم إلى أحكام الدنيا وأحكام الآخرة وهذه السورة تشتمل على أحكام الآخرة كلها إجمالًا وزادت على القارعة بإخراج الأثقال وتحديث الأخبار.
وأما تسميتها في الحديث الآخر ربعًا فلأن الإيمان بالبعث ربع الإيمان في الحديث الذي رواه الترمذي لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله بعثني بالحق ويؤمن بالموت ويؤمن بالبعث بعد الموت ويؤمن بالقدر فاقتضى هذا الحديث أن الإيمان بالبعث الذي قررته هذه السورة ربع الإيمان الكامل الذي دعا إليه القرآن.
وقال أيضًا في سر كون ألهاكم تعدل ألف آية: إن القرآن ستة آلاف آية ومائتا آية وكسر فإذا تركنا الكسر كان الألف سدس القرآن وهذه السورة تشتمل على سدس مقاصد القرآن فإنها فيما ذكره الغزالي ستة: ثلاث مهمة وثلاث متمة وتقدمت وأحدها معرفة الآخرة المشتمل عليه السورة والتعبير عن هذا المعنى بألف آية أفخم وأجل وأضخم من التعبير بالسدس.
وقال أيضًا في سر كون سورة الكافرون ربعًا وسورة الإخلاص ثلثًا مع أن كلًا منهما يسمى الإخلاص: إن سورة الإخلاص اشتملت من صفات الله على ما لم تشتمل عليه الكافرون وأيضًا فالتوحيد إثبات إلهية المعبود وتقديسه ونفي إلهية ما سواه وقد صرحت الإخلاص بالإثبات والتقديس ولوحت إلى نفي عبادة غيره: والكافرون صرحت بالنفي ولوحت بالإثبات والتقديس فكان بين الرتبتين من التصريحين والتلوحين ما بين الثلث والربع أه.
تذنيب ذكر كثيرون في أثر أن اله جمع علوم الأولين والآخرين في الكتب الأربعة وعلومها في القرآن وعلومه في الفاتحة فزادوا: وعلوم الفاتحة في البسملة وعلوم البسملة في بائها ووجه بأن المقصود من كل العلوم وصول العبد إلى الرب وهذه الباء باء الإلصاق فهي تلصق العبد بجناب الرب وذلك كمال المقصود ذكره الإمام الرازي وابن النقيب في تفسيرهما.
الإتقان في علوم القرآن النوع الثالث والسبعون في أفضل القرآن وفضائله للامام السيوطي
¥