تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الثاني: أنَّ هذه الدعاوى كبيرة، وهي تُلزِم غيرها ـ فضلاً عن نفس طارحها ـ ما لا يلزم، بل قد تقام من أجل ذلك الندوات والمحاضرات، وتكتب الكتب والمقالات، وهي لا تستحقُّ هذا الزخم الهائل، ولو وُضِعت في مقامها لكان أولى.

ومن العجيب أنَّ بعض الأفكار المهمة، لا تلقى مثل هذا الاهتمام، وذلك من سرِّ من قدر الله الذي يقف المسلم بالتسليم.

إن التوازن والاعتدال في الطرح، وفي وضع الموضوعات في مواضعها مما يحسن أن نتناصح فيه، وأن لا يبخل بعضنا على بعض في ذلك؛ لأن من طبيعة البشر أنها إذا اتجهت إلى موضوع لا ترى غيره، وقد يراه غيرك، ويكون أولى مما أنت فيه، وهكذا.

التفسير الموضوعي نموذجًا

رأيت بعض الباحثين يرى أن دراسة القرآن على أسلوب التفسير الموضوعي ضرورة لازمة، ويقول ـ بعد ذكره لطريقة المفسرين السابقين ـ: (ولما كان ذلك كذلك كان السعي إلى منهج أشمل مطلوبًا، وأبلغ حجة، وأبين طريقًا؛ منهج يقضي بالتوقف عن عملية التجزئة في تفسير آيات هذا الكتاب، والاتجاه به اتجاهًا موضوعيًا ضرورة لازمة).

وقال في موطن آخر: ( ... غاية الأمر أنني أدعو إلى التوقف عن التعامل التجزيئي مع القرآن الكريم، والاتجاه إلى تفسير القرآن تفسيرًا موضوعيًا.

إنني أهدف إلى بيان أن التفسير الموضوعي للقرآن هو الأليق والأنسب والأولى بالاتباع في هذا العصر سواء في ذلك التفسير الذي يعالج وحدة الموضوع في القرآن، أو ذلك الذي يعالج وحدة الموضوع في السورة، وهو الأنسب للتدريس في المؤسسات والمعاهد العلمية ... )

ويقول: (وحينما نقول: إن التفسير الموضوعي يجلي الحقائق القرآنية، ونعلم أن هذه الحقائق هي التي تهيئ فكر المسلم وقلبه للصلاح ندرك حينئذ أهمية التفسير الموضوعي ودوره في إحداث الوثبة الحضارية ... ).

ويقول آخر: ( ... لذا لا يمكن أن نجابه مشاكل العصر ومعطيات الحضارة إلا بأسلوب الدراسات الموضوعية للقرآن الكريم، أو بأسلوب التفسير الموضوعي).

وهذه المقولات من هؤلاء الفضلاء فيها تزيُّدٌ ظاهر، ودعوى عريضة تحتاج إلى برهان قوي، وحجة واضحة، ولو قيل: إن التفسير الموضوعي يمثل لبنة من لبنات معالجة شيء من القضايا والمشكلات بطريقة القرآن لكان أقرب، لكن أن يكون هذا الأسلوب هو الأسلوب الأمثل، والأولى، فذلك دونه خرط القتاد."

أقول: فهل تجعل أخي فعل البعض حجة على الكل، ولعلك تلاحظ أخي الكريم أن ما حدث في العالم الإسلامي من خلاف كبير بسبب عدم وجود النظرة الشمولية للإسلام، فترى من الناس من يأخذ المتشابه ليؤيد مذهبه المخالف، وهذا الذي يدفع البعض إلى

ـ[عدنان البحيصي]ــــــــ[07 Mar 2006, 11:30 ص]ـ

المناداة بالتفسير الموضوعي الشامل لآيات القرآن الكريم، وأنت تعلم أخي الكريم أن القرآن يُعمل به جملة لا أجزاءاً، وفي اعتقادنا أنه لو عمل به على الوجه الصحيح لأنصلح حال الأمة كلها، وفي رأيي أن القرآن كما هو كتاب هداية هو كتاب إصلاح.

ومما لا شك فيه أن بعض الموضوعات في القرآن لا يمكن لنا أن ندرسها بطريقة التفسير الموضعي للآيات، فموضوع الأسماء والصفات مثلاً يلزم لدراسته نظرة شاملة موضوعية لكل آيات الأسماء والصفات في القرآن الكريم، حتى لا ندع للمشككين ودعاة البدع الإنتصار لبدعهم بأدلة جزئية مقتطعة من الأدلة الكلية، وإنما بجب أن ترد آيات الله لبعضها البعض حتى يفهم مراده الله منها.

ولعلك تقول: ما دليلك؟ فأجيبك:دليلي في ذلك فعل الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم "عندما نزل قوله تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} (1) فشق ذلك على الناس فقالوا يا رسول الله وأينا لا يظلم نفسه؟ فقال إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح: {إن الشرك لظلم عظيم} (2) إنما هو الشرك (3) "

ونستفيد من هذا الحديث الصحيح فوائد منها:

1. أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أول من استخدم التفسير الموضوعي حيث رد ما أشكل على الناس فهمه إلى ما ليس فيه إشكال، ففسر القرآن بالقرآن بنظرة شمولية لمعنى الظلم في القرآن، وهذا لون من ألوان التفسير الموضوعي.

2. أن التفسير الموضوعي أصيل في ديننا وليس مبتدع ولا محدثـ، وأنه من ناحية العمل به من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما اعتراضك أخي الكريم على كتابة الكتابات وعقد الندوات و إلقاء المحاضرات في موضوع التفسير الموضوعي فأرى أنه اعتراض في غير محله، وزعمك أن هنالك مواضيعاً أهم من ذلك، فمن رأيي أنه لا أهم من كلام الله، ولا أهم من بيان مراد الله من كلامه، والتفسير الموضوعي وغيره من أنواع التفاسير يبحث في كلام الله جل جلاله.

قلت أخي الدكتور مساعد الطيار: " ملحوظات على التفسير الموضوعي

أولاً: إن التفسير الموضوعي يدخل في باب الفوائد والاستنباطات، وليس من التفسير الذي هو بيان معني القرآن.

وبتأمُّلِ هذه الإضافة يظهر أن أمامك تفسير جديد، أي بيان معانٍ جديدة للقرآن من طريق موضوعاته.

لكن حينما تكشف عن ما كُتِبَ في التفسير الموضوعي ستجدُ أنها ترجِع إلى فوائد واستنباطات، وليس فيها بيان معني جديدة لآيات القرآن، وعلى هذا فنسبتها للتفسير غير دقيقة. بل الصحيح أنها (موضوعات قرآنية)، وهذا العنوان أدق من تسمية هذا اللون بالتفسير الموضوعي.

وما ذكرته لك هنا أرجو أن لا تتعجَّل بردِّه قبل أن تحدِّدَ معنى التفسير، وأن تطَّلِع على الإضافة التي أضافها من كتب في موضوع من الموضوعات باسم التفسير الموضوعي، ولك أن تتأمل إضافته، هل هي من باب التفسير، أو من باب الفوائد والاستنباطات؟

وحقيقة التفسير الموضوعي كما يأتي:

1 ـ جمع متفرق من الآيات التي تتحدث عن موضوعٍ أو لفظة أو جملة [يخرج عن هذا دراسة موضوع من خلال سورة]

2 ـ دراسة هذا المجموع بعد تبويبه

3 ـ استنتاج الفوائد، واستخلاص الهدايات والعِبَر من هذا المجموع.

[ line]

(1) سورة الأنعام 82

(2) سورة لقمان13

(3) صحيح البخاري، كتاب التفسير6/ 20، وصحيح مسلم كتاب الإيمان 1/ 80

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير