تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما السنة، فقد جعلوها شارحة للقرآن، ولا يصحُّ أن يُنشأ عنصر من عناصر الموضوع القرآني من السنة.

وهذا التقييد من جهة الافتراض صحيح، لكنه سيُفقِد البحث في الموضوعات كثيرًا من الأمور المهمة بسبب الاقتصار على القرآن وحده، ولو رحتُ أضرب لك الأمثلة في ذلك لغدت كثيرةً لا حصر لها، ولأمثِّل لك بمثال واحدٍ يكون نبراسًا لغيره.

لو بحثت موضوع الصلاة، وقلت (الصلاة في القرآن) فإنك لا تستطيع أن تتحدَّث عن موضوع مهمٍّ في الصلاة، وهو زمن فرضية الصلوات الخمس ومكان ذلك الفرض؛ لأنك لا تجدُ في القرآن ما يشير إلى ذلك البتة. ومن ثَمَّ فأنك لو جعلت من عناصر بحثك:

(مكان فرض الصلاة) لكان خطأً عند أصحاب التفسير الموضوعي؛ لأنه لا يوجد في القرآن ما يشير إلى هذا الموضوع، والعناوين لابدَّ أن تكون مستوحاة من الآيات لا من غيرها."

أقول: إذاً أخي لأعيد ما قلت سابقاً لنجعل ما لا يمكن دراسته دراسة كاملة من القرآن الكريم مشتركاً مع السنة، ولو أنك أخي أجلت النظر جيداً لعلمت أن أصحاب التفسير الموضوعي قد يستطيعون أن يبحثوا في الصلاة بعنوان آخر غير الذي ذكرت، مثلاً: "الصلاة ودلالاتها في القرآن الكريم" أو دوارنها في القرآن الكريم، فالقرآن لا يعجز أن يبحث في أي موضوع ولو في وجه واحد من وجوه وهذا من إعجازه، وأكرر قولي أن الأمر فيه سعة ويسر.

أما أنه لا يصح أن ينشأ عنصر من عناصر الموضوع القرآني من السنة، فهذا القول ليس بإطلاقه وإنما يتعلق بنوع الموضوع وكنهه، فمثلاً في موضوع الجهاد قد أكتب بحثاُ يكون عنوانه " أحاديث الجهاد وعلاقتها بآيات الجهاد" ألا أكون بذلك قد أثرت موضوعاً قرآنياً بعنصر من السنة؟.

قلت أخي الدكتور مساعد الطيار:"ولقد ساق الاقتصار على دراسة الموضوع من خلال القرآن إلى خلل في التعبير يظهر من لوازمه أن الاعتماد على القرآن وحده يكفي في تصور موضوع من الموضوعات الإسلامية، يقول أحدهم: (إننا إذا أردنا أن نبني المجتمع المسلم، فيجب أن نقيمه على الأسس والأصول القرآنية. وأكثر الشعوب قد انحرفت ـ من حيث لا تدري ـ عن هذه الأسس والأصول في أكثر مجالات الحياة. ولن تتحقق لها السعادة إلا برجوعها إلى تلك الأسس والأصول التي بات الناس في غفلة عنها

[ line]

(1) مباحث في التفسير الموضوعي د. عبد السلام اللوح، د. عبد الكريم الدهشان ص73

ـ[عدنان البحيصي]ــــــــ[07 Mar 2006, 11:32 ص]ـ

بقصد أو بغير قصد.

فلغياب كثير من أسس القرآن وأصوله عن فهم الناس وسلوكهم آثرنا أن يكون البحث في التفسير الموضوعي مقتصرًا على القرآن الكريم فحسب، فإنه الوسيلة الوحيدة التي تصحح المواقف والمفاهيم المتعلقة بالوجود ودور الإنسان فيه، وما يتصل بذلك من حقائق ومبادئ) انتهى.

إذا كان يستطيع أخذ هذه الأمور من القرآن مباشرة فأين دور السنة؟

وهل يعني قوله هذا الناس قد فهموا أسس وأصول السنة، فلم يحتاجوا إلى بين ذلك لهم، وبقي عليهم بيان أسس وأصول القرآن فقط؟! "

أقول: أما قول البعض أن الأمة يجب عليها أن تعلم أسس وأصول القرآن الكريم وترجع إليها فلا يعني ذلك أنها قد علمت أسس السنة ورجعت إليها، لكن الحقيقة أن من يعود إلى القرآن يفهم منه أنه ينبغي له أن يلتزم بسنة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، عندما يقرأوا آيات كهذه {أطيعوا الله ورسوله} و {ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} و {ما كان لمؤمن ولا لمؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} وغيرها فإنها تلزمهم تباعاً بضرورة الرجوع إلى السنة والإقتباس من نورها.

وكلنا يعلم أن القرآن الكريم هو مصدر التشريع الأول، فلا غرابة أن تعود إليه الأمة أولاً وقبل كل شيء.

قلت أخي الدكتور مساعد الطيار: " ألا يمكن أن يرد على هذا الكلام: ما الفرق بين القرآنيين الذي لا يرون الأخذ بالسنة لاعتقادهم باكتفاء القرآن ببيان كل شيء؟

إنني أقول بكل ثقة: إن من سلك في دراسة بعض الموضوعات الإسلامية الكبيرة أسلوب التفسير الموضوعي قد ألزم نفسه بما لا يلزم، وادخلها في مضايق هو في غنى عنها، فلماذا هذا التجزئة لمتلازمين لا ينفكان: الكتاب والسنة؟!

أما أقوال السلف (الصحابة والتابعون وأتباع التابعين) عندهم فهي كالسنة من جهة عدم إضافة عنوان بسبب قول من أقوالهم.

لكن الموضوع الذي لم يبينه أحد ممن اطلعت على كلامه في التفسير الموضوعي هو: كيف سيفهم معنى الآيات؟ هل سيعتمد على مصادر التفسير المعروفة، أو سيجتهد اجتهادًا خاصًّا خارج إطار هذه المصادر؟

لقد جاء الحديث عن الإفادة من تفسير السلف عند أصحاب التفسير الموضوعي كلامًا مبهمًا مجملاً لا يدلُّ على الأسلوب الذي سيتعامل به هؤلاء مع أقوالهم التي لا يمكن لمفسِّر جاء بعدهم أن ينفك عنها البتة.

وقد جعلوا تفاسير السلف مادة للتوضيح لا يُستقى منها عناوين موضوعات في البحث، وهذا فيه انفكاك من أمر لا ينفك البتة، خصوصًا إذا كان البحث في دراسة (لفظة أو جملة من خلال القرآن)."

أقول: قلت لك في السابق وأعيد أن المفسرين الموضوعيين لم يدعوا أنهم يستغنون عن السنة،وأرد عليك قولك أنهم جزءوا بين متلازمين لا ينفكان الكتاب والسنة، لأنهم ما فعلوا ذلك حقيقة، بل إنهم يقرون بأهمية السنة في التفسير، ولا أعلم كاتباً في التفسير الموضوعي ينكر ضرورة الأخذ بتقييدات السنة وتخصيصاتها، فإن كان للسنة شرح ومقام وتقيد وتخصيص وشروط، فلا مانع من إيرادها ضمن ما يعرف بالتفسير الموضوعي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير