ودعني أضرب لك مثلاً: هل من استنبط من قوله تعالى: (وامرته حمالة الحطب) على صحة عقود أنكحة الكفار، هل هذا تفسير؟!
وأفيدك بأني في تخصصك نفسه، وقد درست التفسير الموضوعي، وخرجت بنحو ما خرج به الدكتور مساعد الطيار من حيث الجملة، وبل هذا رأي زملاء لي لكن لم يكتب أحد في الموضوع ككتابة الدكتور مساعد الطيار، ولا يلزم أن نتجيَّش لرأيه لكي يصلك العلم بأن من يوافق الدكتور في مجمل رأيه فلان وفلان وفلان.
ثم انظر عبارتك الإنشائية ماذا يفهم منها سوى تضخيم الفكرة (إن التفسير الموضوعي أيها الكريم لا يبتعد أبداً عن بيان مراد الله تعالى من كلامه، وإنما هو يغوص في تلك المعاني والكلمات بصورة إجمالية، ليستخلص منها نظرة كلية وموضوعية، إذن هو فهم عام لمعاني كلام الله تعالى وليس مجرد فوائد فقط).
وسؤالي لك، ماهي تلك المعاني والكلمات والكلمات التي يغوص فيها؟! هل هي كلام الله؟ هل هي التفسير الذي ذكره السابقون؟ هل هي معاني جديدة فهمتها من كلام الله لم يفهما السابقون؟
الثانية: أنك تحتج في بعض القضايا بما يوافق رأي الدكتور مساعد على أنه من باب الرد عليه، وأنت تقرُّ بكلامه من حيث لا تشعر، فانظر قولك: (أقول: أما عن الأقسام التي ذكرت، فنحن لا نزعم أصلاً أن كل الموضوعات يمكن دراستها من القرآن الكريم، بل و أنا اتفق معك أن بعض الموضوعات إذا تم دراستها من القرآن الكريم وحده كانت الدراسة قاصرة، وحينها أنا أؤيد أن تدعم الدراسة بالسنة، وإن كان ذلك الموضوع مما يكثر القول فيه من السنة فما المانع أن تكون الدراسة فيه دراسة حديثية؟
وإن كان مما يكثر القول فيه من السنة والكتاب فلما لا يكون دراسة مشتركة حديثية وقرآنية؟
ولقد فعل ذلك شيخي الدكتور عبد الكريم الدهشان في كتابه "حقوق الإنسان في القرآن والسنة"، ولا شك أخي الكريم أن في الأمر سعة ويسر، فلا نمنع الإفادة من السنة لمن يفسر تفسيراً موضوعياً بحجة أن ذلك مخالف لأساسيات التفسير الموضوعي.
ولقد بين ذلك الأساتذة الكرام ذلك بقولهم (التقيد التام بصحيح المأثور في التفسير: عند عودة الباحث إلى الأحاديث وكلام الصحابة والتابعين بإعتباره شارحاً ومفسراً للقرآن)
الدكتور مساعد الطيار يثبت عجز التفسير الموضوعي عن دراسة بعض الموضوعات من خلال القرآن الكريم على أسلوب التفسير الموضوعي الذي ارتضيته أنت ونقلته عن أشياخك، وأحلت على كتب هذا العلم، وأنت تقرر بالمثال عجز التفسير الموضوعي عن الاستئثار ببعض المواضيع، ثم تحتج بفعل شيخك الدهشان في موضوع حقوق الإنسان، وهو ضدك أيضًا وليس معك.
وأما قولك (فما المانع أن تكون الدراسة فيه دراسة حديثية؟
وإن كان مما يكثر القول فيه من السنة والكتاب فلما لا يكون دراسة مشتركة حديثية وقرآنية؟) فإنه إسقاط لمراد من كتب في التفسير الموضوعي الذي يبحث من خلال القرآن، أما لو كان الحديث عن عالم الشريعة الذي يعتمد على الكتاب والسنة في عناوين الموضوعات وفي الاستدلال فلا مانع، ولو كان اعتراض الدكتور الطيار على من يبحث فيهما على أنه يبحث في ما ورد في الشريعة لضربنا برأيه عُرض الحائط، ولكن يناقش قومًا اعتمدوا إبراز موضوعات القرآن، وهو يقول: إن بعض الموضوعات لا يكفي فيها عرض ما في القرآن.
وأرى أن السؤال يوجه إليك، فيقال: ما المانع من أن تتركوا فكرة التفسير الموضوعي وتجعلون بحوثكم من خلال القرآن والسنة وينتهي الإشكال ولا يكون هناك شيء اسمه التفسير الموضوعي؟
ولاحظ أنك أعدت هذه الفكرة وهي اخذ الموضوع من خلال الكتاب والسنة مرة أخرى وقررتها بما يوافق ما يريده الدكتور مساعد الطيار فقلت: (أقول: إذاً أخي لأعيد ما قلت سابقاً لنجعل ما لا يمكن دراسته دراسة كاملة من القرآن الكريم مشتركاً مع السنة، ولو أنك أخي أجلت النظر جيداً لعلمت أن أصحاب التفسير الموضوعي قد يستطيعون أن يبحثوا في الصلاة بعنوان آخر غير الذي ذكرت، مثلاً: "الصلاة ودلالاتها في القرآن الكريم" أو دوارنها في القرآن الكريم، فالقرآن لا يعجز أن يبحث في أي موضوع ولو في وجه واحد من وجوه وهذا من إعجازه، وأكرر قولي أن الأمر فيه سعة ويسر.
¥