أما أنه لا يصح أن ينشأ عنصر من عناصر الموضوع القرآني من السنة، فهذا القول ليس بإطلاقه وإنما يتعلق بنوع الموضوع وكنهه، فمثلاً في موضوع الجهاد قد أكتب بحثاُ يكون عنوانه " أحاديث الجهاد وعلاقتها بآيات الجهاد" ألا أكون بذلك قد أثرت موضوعاً قرآنياً بعنصر من السنة؟).
وتعليقك هذا على ما ضربه الدكتور مساعد الطيار من أن موضوع الصلاة يكون بحثه قاصرًا لو بُحِث من خلال القرآن فقط، وأنت زعمت: (أن أصحاب التفسير الموضوعي قد يستطيعون أن يبحثوا في الصلاة بعنوان آخر غير الذي ذكرت، مثلاً: "الصلاة ودلالاتها في القرآن الكريم" أو دوارنها في القرآن الكريم، فالقرآن لا يعجز أن يبحث في أي موضوع ولو في وجه واحد من وجوه وهذا من إعجازه، وأكرر قولي أن الأمر فيه سعة ويسر).
أقول: هذا منك حيدة وفرار من إلزام الدكتور مساعد الطيار بوجود عناصر مهمة في الصلاة لم يتطرق إليها القرآن، وإنما تطرقت إليها السنة فقط، وبحثها من خلال القرآن يكون ناقصًا. وهو لم يقل لك لا يمكن بحث أي موضوع في الصلاة حتى تأتي بمقترحك لهذا الموضوع.
الثالثة: أنت تقيس مع الفارق، ما أنت إلا كالصائل الذي يدفع عن نفسه ولو بقشة في يده، فانظر قولك: (قلت أخي الدكتور مساعد الطيار"رابعًا: إن من يقرأ ما كُتِبَ في التفسير الموضوعي من جهتيه التنظيرية والتطبيقية سيجد عدم الاتفاق في كثيرٍ منه، فهذا يستدرك على هذا في التنظيرات، وذاك لا يرضى طريقة هذا في التطبيقات.
ولاشكَّ أن هذه الاستدراكات نابعة من جدَّةِ الموضوع، وعدم وضوحه منذ بداياته في النصف الثاني من القرن الرابع عشر، وهذا يعني أنَّ مجال الاستدراك لازال مستمرًّا.
أقول:وهكذا كل علم أخي الكريم، فيه مجال للأخذ والرد، واختلاف العلماء على علم لا يعني أبداً عدم أهليته ليكون علماً، فالأحناف يستدركون كثيراً على علم الحنابلة مثلاً، لكنهم لا ينكرون أن ما يحمله الحنابلة إنما هو علم.
وكذلك علم التفسير الموضوعي، هو علم يستدرك عليه الكثير لكن ذلك لا يعني لنا عدم أهليته، وكم من علم عابه الناس على مر الزمان، فلما دارت الأيام تبين للناس ذاتهم خطأ حكمهم عليه، أما عدم وضوح هذا العلم فما أنفك علماؤنا ومشايخنا يبينون لنا وللناس مفاتح هذا العلم حتى صار عند كثير منا معلوماً وواضحاً، فعدم وضوح الشيء ليس عيباً فيه، إنما العيب في عين الناظر، وقد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم،
ولا يزال المرء فينا طالباً للعلم، يحاول أن يجلي منه ما يستطيع، فالكمال عزيز، والعلم بحر وافر واسع.
فحاول أخي الكريم أن تنظر بنظرة طالب العلم للموضوع، لا بنظرة الناقد التي نظرت، لعلك ترى الموضوع من جانب آخر).
أقول: الذي يفهم من كلام الدكتور مساعد الطيار أن التفسير الموضوعي لا زال بحاجة إلى تحرير، ولم يزعم أن التفسير الموضوعي ليس علمًا، ولا أنه لا يصلح البتة، وهذا قد قرره في آخر حديثه فقال: (إنني على غير قناعة بالمطروح في التفسير الموضوعي، لا من جهة الاصطلاح، ولا من جهة التنظير والتطبيق. وأتمنى لو صُحِّحَ مسار هذا الموضوع، إذ فيه نفع وفوائد كثيرة، لكن بعد ترشيده وتسديده) وكلامه واضح جدًّا، فهو لم يسقط التفسير الموضوعي برمته، بل هو يدعو إلى تصحيح خلل يراه فيه، وكونك تخالفه في وجود الخلل لا يعني أن تحمل كلامه على التعميم الذي هو من عيوب النقد، فانظر ماذا قلت أنت:
1 ـ قولك: (واختلاف العلماء على علم لا يعني أبداً عدم أهليته ليكون علماً، فالأحناف يستدركون كثيراً على علم الحنابلة مثلاً، لكنهم لا ينكرون أن ما يحمله الحنابلة إنما هو علم. وكذلك علم التفسير الموضوعي).
هذا قياس مع الفارق، فهل علم الحنابلة كل كالتفسير الموضوعي، وهل يستدرك الأحناف على مسائل، أو على علم، وهل هناك علم اسمه (علم الحنابلة)؟!
وليس أحد من طلبة العلم يجهل وجود الاستدراكات حتى تأتي وتقررها بهذه الطريقة الغريبة التي جعلت علم التفسير الموضوعي كعلم الحنابلة!
¥