وقال ابن الوردى: بنى نوح بيتا من قصب، فقيل له: لو بنيت غير هذا، فقال: هذا كثير لمن يموت، وقال أبو المهاجر: لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما في بيت من شعر، فقيل له: يا نبى الله ابن بيتا فقال: أموت اليوم [أو] أموت غدا.
وقال وهب بن منبه: مرت بنوح خمسمائة سنة لم يقرب النساء وجلا من الموت.
وقال مقاتل وجويبر: إن أدم عليه السلام حين كبر ورق عظمه قال يا رب إلى متى أكد وأسعى؟ قال: يا أدم حتى يولد لك ولد مختون.
فولد له نوح بعد عشرة أبطن، وهو يومئذ ابن ألف سنة إلا ستين عاما.
وقال بعضهم: إلا أربعين عاما.
والله أعلم. القرطبي 332 - 333/ 13
وقال ابن الجوزي في زاد المسير:
قوله تعالى: {فلَبِثَ فيهم ألفَ سنةٍ إِلاَّ خمسينَ عاماً} اختلفوا في عُمُر نوح على خمسة أقوال.
أحدها: بُعث بعد أربعين سنة، وعاش في قومه ألف سنة إِلا خمسين عاماً يدعوهم، وعاش بعد الطوفان ستين سنة، رواه يوسف بن مهران عن ابن عباس.
والثاني: أنَّه لبث فيهم ألف سنة إِلا خمسين عاماً، وعاش بعد ذلك سبعين عاماً، فكان مبلغ عُمُره ألف سنة وعشرين سنة، قاله كعب الأحبار.
والثالث: أنهُ بعث وهو ابن خمسين وثلاثمائة، فلبث فيهم ألف سنة إِلا خمسين عاماً، ثم عاش بعد ذلك خمسين وثلاثمائة، قاله عون بن أبي شداد.
والرابع: أنَّه لبث فيهم قبل أن يدعوهم ثلاثمائة سنة، [ودعاهم ثلاثمائة سنة] ولبث بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة، قاله قتادة. وقال وهب ابن منبِّه: بُعث لخمسين سنة.
والخامس: أنَّ هذه الآية بيَّنت مقدار عُمُره كلِّه، حكاه الماوردي.
فان قيل: ما فائدة قوله {إِلاَّ خمسينَ عاماً}، فهلاَّ قال: تسعمائة وخمسين!
فالجواب: أنَّ المراد به تكثير العدد، وذِكْر الألف أفخم في اللفظ، وأعظم للعدد.
قال الزجاج: تأويل الاستثناء في كلام العرب: التوكيد، تقول: جاءني إِخوتك إِلا زيداً، فتؤكِّد أَنَّ الجماعة جاؤوا، وتنقص زيداً. واستثناء نصف الشيء قبيح جداً لا تتكلَّم به العرب، وإِنما تتكلَّم بالاستثناء كما تتكلم بالنقصان، تقول: عندي درهم ينقُص قيراطاً، فلو قلت: ينقُص نصفه، كان الأَولى أن تقول: عندي نصف درهم، ولم يأت الاستثناء في كلام العرب إِلاَّ قليل من كثير.ج5 ص71
وقال الفخر الرازي:
فكل الأقولا على خلاف ذلك. وثبوته بقول امر لا يلزم.
المسألة الثانية: قال بعض العلماء الاستثناء في العدد تكلم بالباقي، فإذا قال القائل لفلان علي عشرة إلا ثلاثة، فكأنه قال علي سبعة، إذا علم هذا فقوله: {أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً} كقوله تسعمائة وخمسين سنة، فما الفائدة في العدول عن هذه العبارة إلى غيرها؟ فنقول قال الزمخشري فيه فائدتان إحداهما: أن الاستثناء يدل على التحقيق وتركه قد يظن به التقريب فإن من قال: عاش فلان ألف سنة يمكن أن يتوهم أن يقول: ألف سنة تقريباً لا تحقيقاً، فإذا قال إلا شهراً أو إلا سنة يزول ذلك التوهم ويفهم منه التحقيق الثانية: هي أن ذكر لبث نوح عليه السلام في قومه كان لبيان أنه صبر كثيراً فالنبي عليه السلام أولى بالصبر مع قصر مدة دعائه وإذا كان كذلك فذكر العدد الذي في أعلى مراتب الأعداد التي لها اسم مفرد موضوع، فإن مراتب الأعداء هي الآحاد إلى العشرة والعشرات إلى المائة والمئات إلى الألف، ثم بعد ذلك يكون التكثير بالتكرير فيقال عشرة آلاف، ومائة ألف، وألف ألف.12/ 135 تفسير الرازي
****الثاني ورود خلاف ذلك في القران: فان كانت سنين تكذيب قوم نوح ذكرت سنين في الاية فان سنين النسيء سميت اعواما:
إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَفليس خلاف حال بين عام تحليلهم له ولا عام تحريمهم له انهم كانوا على ضلال كضلال قوم نوح.
وقال تعالى:أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ فليس عامهم هذا مما يقال كما قيل.
¥