الأول: مع الاسم الموصول (سبح اسم ربك الأعلى، الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، والذي أخرج المرعى .. ) إلى آخره.
والموضع الثاني: في مقام واحد في كتاب الله عز وجل، وهو قوله تبارك تعالى (هو الأول والآخر والظاهر والباطن) في هذا المقام فقط.
لاحظ الآن .. الأسماء المذكورة هنا (الأول والآخر والظاهر والباطن) هل هي أسماء متقاربة أم متقابلة؟ .. متقابلة .. الأول والآخر ..
(اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء)
فهذه الأسماء متقابلة تماما .. بينما المواضع الأخرى التي يحذف معها حرف العطف تكون متقاربة تجد العزة مع الحكمة .. العزيز الحكيم.
المغفرة يتبادر معها الرحمة .. الغفور الرحيم.
والحياة ما الذي يناسبها؟ .. القيومية، ولهذا قال (الحي القيوم) .. له الحياة الكاملة وهو أيضا قيوم.
قيوم .. صيغة مبالغة .. معناها: أنه قائم بنفسه مقيم لغيره سبحانه وتعالى، قائم على خلقه في كل شيء، قائم عليهم في حياتهم وفي أرزاقهم، وقائم عليهم في آجالهم، وقائم عليهم في كل شأن من شئونهم، فهو الذي يدبرهم التدبير المطلق، وهو الذي يحكم عليهم ولا معقب لحكمه جل وعلا، هذا معنى القيوم. (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت)
وهذا من كمال حياته، فهو كما أنه قائم بنفسه هو أيضا مقيم لغيره.
(لا تأخذه سنة ولا نوم) .. وانظر إلى هذا المعنى العجيب الذي نفاه الله عز وجل بعد أن ذكر الحياة والقيومية، فقد يتوهم المتوهم من ذكر حياته جل وعلا أن حياته كحياة المخلوقين يرد عليها ما يرد على المخلوقين من حاجة إلى الراحة وغياب عن هذا العالم المشاهد بالنوم أو ما دونه من مقدماته وهي السنة، فنفى الله عز وجل هذا الوهم فقال: (لا تأخذه سنة ولا نوم) .. وحينما ينفي السنة والنوم لا يكون ذلك نفيا لهذه المعاني الناقصة فحسب، بل إن النفي في كتاب الله عز جل إذا نفى الله عز وجل عن نفسه أو عن كتابه أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم شيئا فإن ذلك يتضمن ثبوت كمال ضده، فإذا قال (لا تأخذه سنة ولا نوم)، فهذا يتضمن ثبوت كمال حياته سبحانه وتعالى.
أما نحن الضعفاء الفقراء المساكين فحسبنا النفي، فيقال: فلان ليس ضعيفا،فلان ليس عالما،فلان ليس جاهلا. فيكون مبلغ ذلك الكلام هو نفي هذه الصفة فحسب ولا يتضمن ذلك ثبوت كمال الضد.
أما إذا نفى الله عن نفسه شيئا من النقائص أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم أو عن كتابه فإن هذا يتضمن ثبوت كمال ضده، فيكون ذلك إثباتا لكمال حياته وقيوميته.
(لا تأخذه سنة ولا نوم) .. وما معنى السنة؟ .. السنة هي مقدمة النوم وخثورته والضعف الطبيعي الذي يعتري الإنسان قبل أن ينام. هذه هي السنة. وبعض العلماء يقولون هي والنعاس بمعنى واحد. وبعضهم يفرقون بينهما فيقولون: السنة في الرأس والنعاس في العين، والنوم في القلب. وهنا ذكر الله السنة ولم يذكر النعاس، فتكون السنة والنعاس بمعنى – أي واحد – والله أعلم.
فنفى الله عز وجل عن نفسه مقدمة النوم وهي السنة أو النعاس، ونفى النوم وهو غياب الإنسان هذا الغياب الطبيعي عن العالم المشاهد بحيث أن حواس الإنسان وقلبه وعقله يفتر، فلا يحس بما حوله. لا يشعر بشيء مما حوله.
قد يقول قائل: نفى الله عز وجل السنة ونفى النوم، أما كان يكفي أن ينفي السنة فيكون نفي النوم من باب أولى؟ أو ينفي النوم فيكون ذلك أيضا نفيا أيضا لمقدماته؟ فما الجواب؟
يمكن أن يقال زيادة في التأكيد .. لكن القاعدة في هذا الباب أن التأسيس مقدم على التوكيد، لأنه يبني معنى جديدا. يقال (لا تأخذه سنة ولا نوم) أن السنة قد ترد من غير النوم، فيدافع الإنسان النوم، فيحصل له نعاس ولكن لا يحصل النوم، قد توجد السنة منفردة عن النوم، وقد يوجد النوم من غير سنة .. أليس كذلك؟ .. فنفى الله عز وجل الأمرين. ولاحظ هذا النفي أنه أدخل بينهما لا النافية مرة أخرى، قال (لا تأخذه سنة ولا نوم) وكان يكفي أن يقال (لا تأخذه سنة ونوم) ولكن مبالغة في التوكيد وأن كل واحد منهما منفيا على سبيل الاستقلال، قال (لا تأخذه سنة ولا نوم) أي ولا يأخذه نوم.
¥