ثم قال: (له ما في السماوات وما في الأرض) .. هذا الإله العظيم الذي له جميع أوصاف الكمال، وله القيومية الكاملة، والحياة الكاملة، ولا يعتريه غفلة ولا نقص بوجه من الوجوه. (له ما في السماوات وما في الأرض) بعد أن قرر أنه تبارك وتعالى لا تعتريه الآفات ولا تغيره الليالي والأيام كما تغير البشر، فهو الكامل الكمال المطلق، الذي لا يرد عليه نقص بوجه من الوجوه، قال (له ما في السماوات وما في الأرض) .. (له): اللام هنا للملك.
العلماء يذكرون ثلاث لامات، ما هي؟ .. لام الاستحقاق، ولام الاختصاص، ولام الملك.
- نحن نأتي بفوائد علمية وأحيانا لغوية وأحيانا تربوية، ليكون هذا الدرس في أشياء متنوعة من الفوائد، تقرؤون في بعض الكتب فتدركون بعض المعاني وتتصورون بعض القضايا التربوية من كلام الله عز وجل –
ما الفرق بين اللامات الثلاث؟ .. الآن اللام حينما نقول (الكأس لزيد) .. الآن الكأس ذات .. ذات أم معنى؟ .. ذات
أضفناه إلى ذات، فإضافة ذات إلى ذات من شأنها أن تملك الذات المضاف إليها، تكون اللام للملك. (الكأس لزيد، السيارة لمحمد، البيت لصالح, القلم لسعيد)
إذا أضفنا ذات إلى ذات ليس من شأنها أن تملك صارت اللام للاختصاص (المفتاح للسيارة) المفتاح ذات والسيارة ذات، ولكن السيارة ليس من شأنها أن تملك (الباب للمنزل، السلك للمكبر، الورق للمسجد) .. فهذه اللام لام الاختصاص.
باقي اللام الثالثة وهي لام الاستحقاق .. أن نضيف معنى إلى ذات مثل (الحمد لله) الحمد معنى أم ذات؟ .. معنى .. (لله) اللام للاستحقاق
تقول (الشكر لله) الشكر معنى، فاللام للاستحقاق .. وهكذا.
فهنا يقول (له ما في السماوات) اللام ما نوعها؟ .. لام الملك .. (له ما في السماوات) أي ملكا. و (ما) صيغة عموم تدل على العموم، أي جميع ما في السماوات السبع كله ملك لله عز وجل لا يشاركه فيه أحد، (له ما في السماوات وما في الأرض) أي كل ما في الأرض هو ملك لله عز وجل.
ولا حظ أن السماوات مجموعة، والأرض مفردة. (تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن) فلماذا تذكر السماوات مجموعة والأرض مفردة، إذا ذكرت السماء والأرض؟ ما الجواب؟
يمكن أن يقال والله أعلم، الأرض .. اسم جنس، يدل على الواحد والجمع فيشمل ذلك الأرضين السبع (له ما في السماوات وما في الأرض) أي ملكا، وهذا يدل على سعة ملك الله عز وجل، وإذا علم العبد أن الله عز وجل له ما في السماوات وما في الأرض فهل يطلب الغنى من غير الله تبارك وتعالى؟ .. كل ما في السماوات وما في الأرض ملك لله عز وجل، فإذا افتقرت واحتجت، إلى أين تلجأ؟ .. إلى الله وحده لا شريك له، فهو الذي بيده خزائن السماوات والأرض، والمخلوق الضعيف لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا. (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد، إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جيد، وما ذلك على الله بعزيز) فنحن وما نملك كلنا ملك لله عز وجل.
ثم قال مبينا عظمة هذا الملك: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) .. (من ذا الذي): هذا استفهام، وهذا الاستفهام يتضمن معنى النفي، وإيراد النفي بصيغة الاستفهام أبلغ وأبلغ.
المعنى (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) معناه .. لا أحد يشفع عنده إلا بإذنه، وهذا يدل على كمال ملك الله عز وجل .. ومن أي وجه؟ .. لأن المخلوق إذا كان موصوفا بالملك فإن الناس قد يتقدمون بين يديه بالشفاعة من غير استئذان، وقد يشفع هو من غير رغبة .. قد لا يرغب في هذه الشفاعة التي قدمت بين يديه، لكنه قد يحرج أو يستحي أو قد يقبل هذه الشفاعة خوفا من غائلة الشافع لأن ملكه لا يقوم إلا به .. قد يكون من أعوانه .. الذين لا يقوم ملكه إلا بهم فيقبل الشفاعة خوفا من غائلة هذا الشافع، وقد يقبلها حياء منه وخجلا وإحراجا، وقد يقبلها ردا لجميله السابق عليه وإفضاله.
وأما الله عز وجل فهو لا يخاف من أحد ولا يقبل الشفاعة إحراجا من أحد، وليس لأحد فضل على الله عز وجل حتى يكون ذلك القبول على سبيل المقايضة .. من هو الذي يتفضل على الله عز وجل حتى يحتاج رب العالمين جل وعلا وتقدس وتنزه أن يرد له هذا الجميل؟
¥