تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والناس كلهم لا يقومون إلا بإقامته جل وعلا، فهذا هو الفرق بين ملك المخلوقين وبين ملك رب السماوات والأرض .. فهو لعظمة ملكه وقوته وغناه التام الكامل لا يحتاج إلى أحد على سبيل الإطلاق .. فلا أحد يتجرأ أن يشفع عنده إلا بإذنه .. (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) أي لا أحد يشفع عند الله إلا بإذنه .. بإذنه لمن؟! .. بإذن للشافع أصلا أن يشفع .. ما يتقدمون بين يديه بالشفاعة ابتداء .. لا .. لابد من الاستئذان. ثم لا بد من الإذن في الشفاعة، ولا بد من الرضى عن المشفوع له، ولهذا يقول الله عز وجل (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى)، ولهذا قال الله عن أهل الإشراك (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) فلا يتقدم إذن أحد بين يدي الله بالشفاعة إلا بعد إذن الله للشافع أن يشفع وبعد إذنه في الشفاعة وبعد رضاه عن المشفوع له. وهذا لكمال ملك الله جل وعلا، بخلاف المخلوق الذي يتقدم بين يديه بالشفاعة من دون استئذان، وقد يقبلها على مضض محرجا أو خائفا من هذا الشافع.

(من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) لاحظ .. هناك قرر أنه ذو الألوهية، وقرر أيضا أنه موصوف بالحياة الكاملة، وبالقيومية الكاملة، وأن له ما في السماوات وما في الأرض .. فماذا بقي للأرباب والأنداد؟ هل بقي لها شيء؟ هل بقي لأحد مع الله عز وجل شرك في هذا الكون يقاسم الرحمن به؟ .. أبدا.

فلما قرر هذه المعاني نفى أمرا قد يتوهمه المتوهمون، فيقولون: نلوذ بشفاعة الشافعين ممن يقربون إليه بألوان القربات، فقال لهم: فكما أن أولئك لا يملكون نفعا ولا ضرا، ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا، وليس لهم في هذا الكون قليل ولا كثير. قال أيضا: فهؤلاء أيضا لا يملكون الشفاعة، ولا يتقدمون بين يدي الجبار عز وجل ليشفعوا لأحد إلا بعد إذنه جل وعلا، فأين المفر إلا إليه؟. فيكون هو ملاذ العبد وملجؤه، ويكون فقر العبد بكليته إلى ربه وخالقه جل وعلا .. لا يكون في القلب أدنى افتقار إلى المخلوقين .. هكذا يربي القرآن أهل الإيمان لتعمر قلوبهم بمعرفة الله عز وجل معرفة صحيحة بأسمائه وصفاته.

(من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) .. إذن ما حاجتكم لهؤلاء الأرباب الذين تتوسلون بهم وتصرفون ألوان القربات إليهم، وتقولون (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفا) (هؤلاء شفعاؤنا عند الله).

ثم يقول (يعلم ما بين أيهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) ذكر سبحانه وتعالى علمه الكامل المحيط بجميع شئون المخلوقين .. (يعلم ما بين أيهم وما خلفهم) يعلم ما قدموا وما أخروا. (عالم الغيب والشهادة) فلا يعزب عنه سبحانه وتعالى مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، فعلمه محيط، يعلم ما كان وما يكون، وما لا يكون لو كان كيف يكون كما قال الله عز وجل (ولو ردوا لعادوا لما نهو عنه) وقال (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم) وقال أيضا جل وعلا مخبرا عن هذا العلم المحيط لما قال المنافقون ليهود بني النضير (لئن أخرجتم لنخرجن معكم، ولئن قوتلتم لننصرنكم) فرد الله عليهم قال (لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون) يقول هذا لا يكون ولو كان ليولن الأدبار .. سينهزمون .. فربنا جل وعلا هذا علمه.

هذا الرب الذي نعبد وله نصلي ونسجد .. هذا هو الإله الذي نتقرب إليه وندعوا إليه ونتوكل عليه، فنحن نتوكل على جناب عظيم.

فـ (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيهم وما خلفهم)

وبالمقابل (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) شيء: نكرة في سياق النفي، والنكرة في سياق النفي تدل على العموم، يعني: ولا يحيطون بأي شيء من علم الله عز وجل إلا بما شاء.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير