تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(ولا يحيطون بشيء من علمه) الضمير الهاء .. إلى أي شيء يرجع؟ .. يمكن أن يكون يرجع إلى الله (ولا يحيطون بشيء من علمه) يعني: من علم الله عز وجل. وهل تحتمل الآية معنى آخر؟ .. نعم .. يحتمل أن يكون عائد إلى علم ما بين أيديهم وما خلفهم، فيكون المعنى (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) ما قدموا وما أخروا ولا يحيطون بشيء من علم ما بين أيديهم وما خلفهم إلا بما شاء أن يطلعهم عليه. يكون المعنى هكذا. وأيهما الراجح؟ .. لا نحتاج أن نقول أيهما الراجح لأن القرآن يعبر به في الألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة، فالخلق لا يحيطون بشيء من علم الله عز وجل إلا بما شاء، ولا يحيطون أيضا بشيء من علم ما بين أيديهم وما خلفهم إلا بما أطلعهم الله عليه. والمعنى الثاني مستلزم للمعنى الأول. يعني إذا كانوا لا يحيطون بعلم شيء مما بين أيديهم وما خلفهم فمن باب أولى أنهم لا يحيطون بشيء من علم الله عز وجل، لأن علم ما بين أيديهم وما خلفهم هو بعض من علم الله عز وجل.

ولهذا يقال إذا دلت الآية على معنيين بينهما تلازم فإن الآية تحمل عليهما، وإذا دل القرآن على معنى واحتمل غيره من غير ما نع يمنع من حمله عليه حمل على المعنيين، لأن القرآن يعبر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة.

مثلا: الله عز وجل يقول (ومن شر غاسق إذا وقب) معنى الغاسق .. بعض العلماء يقولون الليل، وبعضهم يقولون القمر. فيحاول بعض العلماء أن يرجح وفي الواقع لا حاجة للترجيح، لأن القمر يخرج في الليل، فالمعنيان بينهما ملازمة، فالقولان حق.

(ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) أن يطلعهم عليه، كما قال (إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا)

ثم قال (وسع كرسيه السماوات والأرض) فيه بيان كمال عظمة الله جل وعلا.

الكرسي: موضع القدمين في لغة العرب .. الذي يوضع بين يدي العرش كالمرقاة له. والعرش هو سرير الملك.

(وسع كرسيه السماوات والأرض) فما معنى الكرسي في الآية؟ .. هو ذلك المخلوق الهائل العظيم الذي يكون بين يدي عرش الرحمن جل وعلا .. ما صفته؟ كيف هو؟ .. لا نعلم، لأن هذه أمور غيبية نثبتها لله عز وجل كما أخبر ولا نخوض فيها متأولين بأفهامنا وآرائنا.

لكن تصور هذا المخلوق الذي بين يدي العرش (وسع كرسيه السماوات والأرض) يعني أضخم من السماوات والأرض، إذا ما ضخامة العرش؟! .. إذا كان الكرسي وهو صغير بالنسبة للعرش أضخم من السماوات والأرض، وتعلمون ما معنى السماوات؟ .. العلماء يتحيرون في السماء الدنيا بأفلاكها ومجراتها وشموسها ومجموعاتها الشمسية .. يتحيرون في ضخامتها وسعتها فكيف السماء الثانية التي هي أوسع منها، والسماء الثالثة التي هي أوسع من الثانية، وهكذا حتى تصل إلى السماء السابعة.

يا أخي النبي صلى الله عليه وسلم صح عنه في الحديث أنه قال: (أذن لي أن أحدث عن أحد حملة العرش، ما بين شحمة أذنه ومنكبه سبعمائة سنة تخفق الطير) يعني تصور سرعة الطير سبعمائة سنة يمشي يخفق .. يطير .. حتى يقطع هذه المسافة في ملك من الملائكة.

إذا كانت هذه عظمة مخلوق فما عظمة الخالق .. عظمة الله أعظم مما نتصور ومما يخطر في أذهاننا ..

الله جل جلاله له العظمة الكاملة التي لا تخطر على بال .. والله جل وعلا صاحب هذه العظمة يقول عن الملائكة: (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آ منوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم، وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته) ويقول أيضا عن الملائكة (يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون) النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل صلى الله عليه وسلم في صورته الحقيقية مرتين، رآه له ستمائة جناح قد سد ما بين الأفق. ويذكر في الأخبار والتواريخ أن قرى قوم لوط (والمؤتفكة أهوى) قرى ليست قرية واحدة .. المؤتفكات .. جمع .. جاء في التاريخ والأخبار أن جبريل صلى الله عليه وسلم رفعها بطرف جناحه حتى صعد بها إلى السماء بأهلها .. بدوابها .. فلما وصل بها إلى السماء قلبها .. المؤتفكة أفكها أي قلبها، .. المؤتفكات المنقلبات .. أهوى، أي أسقطها. هذا ملك، فما هي إذا عظمة الرحمن؟ .. ثم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير