وعبدالله بن محمد بن إسحاق بن محمشاذ الوارد سنده في هذه السلسلة هو أخ أحمد بن محمد بن إسحاق بن محمشاذ الذي دفن في شط الوادي (محلة في هرات) في 445هـ.
يقول العاصمي في كتاب فيه ما فيه: ««وهذه الاحاديث كلها مكتوبة علي وجهها في كتاب فيه ما فيه للشيخ ابي سهل رحمة الله عليه إلا أنه لم يكن عندي اسنادها و وجدت اسنادها فيما اجاز لي الشيخان ابو عبدالله محمد بن علي و الشيخ ابوالقاسم عبدالله بن محمشاذ ... .».
وحول كتاب فيه ما فيه يقول العاصمي: «يمكن الاستنتاج من الأسانيد الكرامية التي تحتويها مقتطفات الأنماري، أنّه مارس نشاطه في أواخر القرن الثالث وبداية القرن الرابع الهجري، وعلى ما يبدو، أنه توفّي في عام 425هـ.
يعتبر هذا الكتاب مصدراً مهماً لكتاب كرامي آخر هو كتاب المباني لنظم المعاني للعالم الكرامي أبي محمد أحمد بن محمد بن علي العاصمي (الذي عاش نحو العام 425هـ)، وهو من المصادر المهمة في الدراسات القرآنية في الغرب، منذ عصر نولدكه وحتى العصر الراهن، ولهذا، نرى من المناسب أن نتناول هنا المباحث المهمة لهذا الكتاب.
يشير آرون زيزو في مقالته «نصّان كراميان مجهولان» إلى كراميّة كتاب المباني وذلك لأول مرة بعد المقالة المتبحّرة لفان أس التي يعرّف فيها المصادر الكرامية المجهولة. وبالنسبة لإثبات كرامية هذا الكتاب، استعان زيزو بأقوال ابن كرام ومحمد بن هيصم الواردة فيه. ويعتبر الأخير شخصية رئيسية في تقنين الفكر الكرامي. ولحفيده أبي الحسن هيصم بن محمد بن عبدالعزيز (المتوفى عام467هـ) أيضاً كتاب في قصص الأنبياء، وتقوم السيدة Cornelia Schoeck بتصحيح النسخة العربية من الكتاب بالاعتماد على المخطوطة الوحيدة الموجودة في مجموعة يهودا (جامعة برينستون)، ويؤمل أن يُطبع قريباً.
على الرغم من أنّ مشكلة مجهولية مؤلف كتاب المباني لا تزال ماثلة، إلا أنّ كلود جيلو، وبالنظر لأهمية الكتاب، كتب مقالة مطوّلة، ذكر فيها مصادر الأحاديث المنقولة في كتاب المباني مع تراجم للرجال الذين يتضمنهم. ويقول جيلو في خلاصة الكتاب: «كتاب المباني لنظم المعاني مقدمة في تفسير القرآن قام بتدوينه مؤلف مجهول (شروع التأليف عام425هـ/1034م)»، ولكن الشيء الأكيد أنّ المؤلف خراساني أو نيشابوري ومتكلم كرامي.
إنّ البحث في سلسلة رواة الأحاديث المذكورين في الكتاب تعيننا على التعرّف على أساتذته، ولكن ليس إلى الحدّ الذي نتمكّن فيه من تشخيص هويّة المؤلف، علاوة على أنّ تمحيص تلك الأحاديث سيتيح لنا فهماً أفضل عن حجم مساهمة كرامييّ خراسان في مجال العلوم القرآنية».
وقد قام آرثر جفري بنشر مقطع من الكتاب ضمن مجموعة أسماها مقدمتان في علوم القرآن، مع مقدمة تفسير ابن عطية (الموجود في بداية تفسير المحرر الوجيز)، وذلك في الطبعة الأولى، في القاهرة عام 1954م. وقد شهد الكتاب طبعة ثانية، في القاهرة أيضاً، على يد عبدالله إسماعيل الصاوي وذلك في عام 1972م.
يتألف كتاب المباني من بابين: يضم الباب الأول 10 فصول مطوّلة حول العلوم القرآنية، أما في الباب الثاني، فيقوم المؤلف بتفسير آيات القرآن الكريم الواحدة تلو الأخرى، مشيراً إلى معانيها بشكل إجمالي، تماماً كما هو منهج النصوص الكرامية. والنص الحالي يضمّ سور القرآن الكريم حتى سورة الأحزاب، وقد استحوذ هذا الكتاب منذ البداية وحتى الوقت الحاضر على اهتمام الغرب في العالم الإسلامي، بالرغم من عدم احتواء المخطوطة الحالية على اسم المؤلف، وقد ظلّ مجهولاً حتى عهد قريب، وقد وفّر طبع كتاب زين الفتى - كتاب آخر للعاصمي- فرصة للتعرّف على مؤلف المباني.
أهمية كتاب المباني:
اتخذت عملية إصلاح النصوص في السنوات الأخيرة طابعاً أكثر جدية ونشاطاً، وتكمن أهمية كتاب المباني في أنه أتاح فرصة لإصلاح أحد النصوص المهمة المفقودة في مجال العلوم القرآنية ألا وهو كتاب الردّ على من خالف مصحف عثمان.
¥