ينطوي موضوع الزيادة والنقصان في القرآن الكريم، وكذلك مسألة المدى الذي ذهب إليه الصحابة في تغيير رسم الخط القرآني في القرنين الثالث والرابع – في حال سلّمنا بأن تدوين القرآن الكريم تمّ بعد وفاة الرسول الكريم (ص) - على أهمية خاصة في مجال مباحث العلوم القرآنية، وقد أدّى ذلك إلى تدوين آثار في القراءات والمصاحف على مدى القرنين الثالث والرابع. للأسف، لم يصلنا مصنّف من النوع الأول، اللهم إلا إشارات لابن النديم لأسماء بعضها، مع نقل فقرات منها.
أما بالنسبة لمصنّفات النوع الثاني، ونعني المصاحف، فهناك بعض الكتب المتبقية، حيث أن من مباحثها المهمة القراءات القرآنية المختلفة المنسوبة للصحابة، أما أهم أعلامها فهم: عبدالله بن مسعود وأبي بن كعب. وفقاً لبعض الروايات، فإنّ مصحف ابن مسعود قد غابت عنه ثلاث سور قرآنية هي سورة الفاتحة والناس والفلق. ومصحف أبي بن كعب أيضاً لم يسلم من الادّعاءات، فقد روي أنّه يضمّ سورة باسم حفد.
لقد فجّر أبو الحسن بن أحمد بن أيوب المعروف بابن شنبوذ (المتوفى عام328هـ) أزمة حادّة من خلال إطلاق كتابه، أو لنقل مزاعمه، التي ادّعى فيها أن الخليفة عثمان ومعه الصحابة قد أضافوا إلى القرآن الكريم أجزاء ليست منه في الأصل، وعلى هذا الأساس، قام باختيار قراءات أخرى، وكان يقرأها حتى في الصلاة.
في المقابل، قام أبوبكر بن مجاهد (المتوفى عام333هـ) بتدوين رسالة في الردّ على مزاعم ابن شنبوذ بعنوان الردّ على من خالف مصحف عثمان، لم يصلنا نصّها الكامل، بل مقتطفات كثيرة تضمّنها تفسيري العاصمي والقرطبي. وطبقاً لهذه المرويات، يصبح إصلاح هذه الرسالة ممكناً، ونكون بذلك قد أصلحنا أحد أهم الكتب في مجال تاريخ القرآن الكريم.
لم يشر القرطبي في الفقرات المطوّلة التي نقلها من الرسالة إلى ابن شنبوذ، ويبدو أن ابن مجاهد أيضاً لم يذكره في أصل الكتاب، وسار على خطاهما العاصمي، ما خلا عبارة في موضع معيّن يقصد بها شخص بعينه. بينما يقف شهاب الدين عبدالرحمن بن إسماعيل الشهير بأبي شامة المقدسي (المتوفى عام665هـ) في كتابه عند هذه النقطة طويلاً، حيث يفرد فصلاً مستقلاً ليشرح بالتفصيل موضوع القراءات المختلفة، وردّ آراء ابن شنبوذ، وهو ما يفسّر أهمية الموضوع.
وتزامناً مع أبي محمد العاصمي، ألّف فقيه كراميّ آخر هو أبو محمد عبدالوهاب بن محمد الحنفي (أو الحنيفي) تفسيراً باسم الفصول. وتبيّن أسانيد هذا الكتاب بوضوح إلى أنّه قد استفاد استفادة جمّة من تفسير الواضح. والمثير أن عالماً شيعياً قام بتلخيصه تحت عنوان اللب واللباب وهو القطب الراوندي (المتوفى عام573هـ). هذا التلخيص كان في متناول المحدّث النوري (المتوفى عام1320هـ)، الذي
عدّه أحد مصادر كتاب مستدرك الوسائل. ومن مرويّات المحدّث النوري يمكن أن نستشفّ أنّ الراوندي قام بحذف أسانيد الأحاديث، ليجمع في المقابل طائفة من الأحاديث المرسلة.
من المؤلفات الكرامية الأخرى في مجال العلوم القرآنية والتي ظهرت في أواخر القرن الخامس الهجري، نذكر كتاب الإيضاح لأبي عبدالله أحمد بن عمر الأندرابي (المتوفى عام470هـ)، موضوع هذه المقالة، وتوجد مخطوطة وحيدة لهذا الكتاب، طبع جزء يسير منها
من التفاسير الكرامية الأخرى الموجودة، تفسير لعالم كرامي يدعى عتيق بن محمد السورياني (السورآبادي) (المتوفى عام494هـ)، هذا التفسير مدوّن باللغة الفارسية، ويضم بين دفتيه معلومات هامّة تفيد الدراسات في مجال الفرقة الكرامية، خصوصاً أنّ المؤلف قد استفاد كثيراً من المؤلفات الكرامية التي سبقته. هناك عدّة نسخ من هذه المخطوطة، حيث يبدو أنها تنتمي لمؤلفين.
كتاب الإيضاح:
خلال استعراضه للقراء، يذكر شمس الدين محمد بن محمد، الشهير بابن الجزري (المتوفى عام833هـ) شخصاً يدعى أحمد بن أبي عمر، المعروف بأبي عبدالله الخراساني، مؤلف كتاب الإيضاح في القراءات العشر اختيار أبي عبيد وأبي حاتم. يروي الخراساني القراءات عن أبي الحسن علي بن محمد بن عبيدالله الفارسي من أصحاب ابن مهران، عن أبي عبدالله محمد بن أبي الحسن علي بن محمد الخبازي عن أبيه، عن أبي بكر أحمد بن الحسين الكرماني عن أصحاب الكارزيني عن الحافظ أبي بكر محمد بن عبدالعزيز عن أبي عبدالله محمد بن عبدالحكم وغيرهم. يقول الجزري بأن الخراساني توفي
¥