تعتبر معرفة اسم المؤلِّف -أيِّ مؤلِّفٍ- لأي كتابٍ من الكتب من أهمّ الأسباب الداعية إلى الوثوق بمادّته العلميّة وما فيها من تحقيقٍ وتجديدٍ إن وُجد.
وعكس ذلك أيضاً كذلك، فإنَّ الكتاب -أيَّ كتابٍ- إذا كان ((مجهول المؤلِّف)) فإنَّه يفقد كثيراً من الوثوق بمعلوماته حتّى وإن كانت ذات خَطَر وجدّية.
والمطالع لفهارس المخطوطات، وبعض المطبوعات يجد كثيراً منها مصنَّفاً تحت عبارة: ((مجهول المؤلِّف)) أو ((لا يعرف مؤلِّفه)) أو ((مؤلِّفه مجهول)) أو غيرها من العبارات، مع أنَّ ما تحتويه هذه الكتب ((مجهولة المؤلِّف)) قد يفوق في أحايين كثيرةٍ، في جدّة أبحاثه وموضوعاته العلميّة كثيراً من الكتب ((المعروفة المؤلِّف)).
وإنَّ من هذه الكتب ((المجهولة المؤلِّف)) والتي حوت مادّةً علميةً قويةً محبوكة التصنيف، رصينة التأليف، وضمّت أبحاثاً جليلة الفوائد، شريفة المقاصد، الكتاب المعنون بـ:
((كتاب المباني لنظم المعاني))
وهو المطبوع مع مقدمة تفسير ابن عطية رحمهما الله في مجلّدٍ واحدٍ تحت عنوان:
((مقدمتان في علوم القرآن))
ولقد عرفت هذا الكتاب منذ الزمن الذي كنت فيه طالباً في السنة المنهجية لمرحلة الماجستير سنة:1407 - 1408هـ؛ إذ كنت دائم الرجوع إليه خاصةً فيما أكتبه بياناً لتوجيه بعض القراءات التي أنكرها بعض الناس من النحويِّين وغيرهم.
وكنت دائماً ما أستثقل عبارة: ((مجهول المؤلِّف)) عندما أريد توثيق المعلومات من هذا الكتاب، وحتى عندما أقرؤها لغيري من الباحثين؛ ممّا أثار عندي سؤالاً وهو:
أيعقل أن يظلّ هذا الكتاب ومكانته هذه عند الباحثين والدارسين ((مجهول المؤلِّف))؟
فجعلت نصب عيني محاولة الإجابة عن هذا السؤال، حتى ولو طال الزمن، ثمّ اشتغلت ببحثي للدكتوراه، ولزم الأمر الرجوع إلى الكتاب مرات ومرات، والاستثقالُ من العبارة إيّاها هو هو بل يزيد.
ثم بدأت مرحلةً جديدةً وهي مرحلة ((بحوث ما بعد الدكتوراه)) وكثر معها استصحاب الكتاب حتى قرّرت أن أبدأ بالبحث عن هذا ((المؤلِّف المجهول)) وأفرده ببحث خاص، وأُفرّغ له وقتاً لا أشرك فيه غيره من البحوث، فانشرح صدري لذلك، وعاودت قراءة الكتاب من بدايته قراءةً متأنيةً أسجّل فيها ((الملحوظات)) الدقيقة والتي ستكون هي بداية الطريق لمعرفة هذا المؤلف المجهول، أو لنقل حلّ هذا اللغز الغامض الذي دام أكثر من خمسين سنةً.
وإنِّي أسجِّل هنا معترفاً بفضل الله تعالى عليّ أنِّي لم أستمرّ أكثر من ثلاثة أشهر حتَّى وفقني الله تعالى لمعرفة هذا ((المؤلِّف المجهول)) وهداني إلى مصدر آخر فيه التصريح باسمه، وفيه بعض النصوص المنقولة عنه حرفياً.
ولما تمّ ذلك بعون الله وتوفيقه كتبت هذا البحث وسميته:
((كتاب المباني لنظم المعاني لمْ يَعُدْ مجهول المؤلِّف))
فأصبح بإمكاني وغيري ممن يرجعون في أبحاثهم إلى هذا الكتاب أن ينسبوه لصاحبه ومؤلِّفه، راجياً أن أكون قد قدمت لطلاب العلم فائدةً مهمةً.
وقد بنيت البحث على مقدمة وتميهد ومبحثين وخاتمة.
المقدمة: وذكرت فيها أهميّة البحث وأسباب اختياره.
التمهيد: وهو مدخل للبحث، وجعلته مطلبين:
المطلب الأوَّل: تعريفٌ بالكتاب وطبعته.
المطلب الثاني: تصحيح وبيان.
المبحث الأوَّل: التعريف بمؤلِّف الكتاب، وفيه مطالب:
المطلب الأول: اسمه وكنيته ولقبه.
المطلب الثاني: عقيدته.
المطلب الثالث: شيوخه.
المطلب الرابع: تلاميذه.
المطلب الخامس: مؤلفاته.
المطلب السادس: وفاته.
المبحث الثاني: أدلة توثيق اسم المؤلِّف.
الخاتمة: ذكرت فيها أهم نتائج البحث والتوصيات.
وقبل أن أنهي هذه المقدمة أقول هذه الكلمة القصيرة وهي: أنَّ القارئ لهذا البحث سيفاجؤ إذا ما عرف أنِّي رجّحت أنَّ صاحب الكتاب كان ((كرَّامِيَّ)) المعتقد –للأسف- بأدلّةٍ ذكرتها في محلِّها من البحث، مما أوقعني في بداية الأمر إلى رفع القلم وعدم المضي في البحث، ولكن تداركت أنَّ من المهم ومن الأمانة العلمية أن يُعرَف صاحب الكتاب بغض النظر عن عقيدته ومذهبه، تاركاً ما يتعلّق بذلك لباحثين آخرين أدرى وأقوى مني في هذا المجال.
والله تعالى أعلم
التمهيد: مدخل للبحث
المطلب الأوَّل: تعريف بالكتاب وطبعته:
¥