كتاب: ((المباني لنظم المعاني)) تولت نشره مكتبة الخانجي سنة: 1954م أي قبل (51) إحدى وخمسين سنة تقريباً، ونشر معه في نفس المجلد ((مقدمة تفسير ابن عطية رحمه الله)).
وهاتان الرسالتان، أعني ((كتاب المباني)) و ((مقدمة تفسير ابن عطية)) قام بتحقيقهما لأوَل مرةٍ المستشرق الأسترالي آرثر جيفري ([1])، ثم قام الأستاذ: عبد الله إسماعيل الصاوي بتصحيح الطبعة الثانية ((وقوّم نصها وألحق بها استدراكات وتصويبات للطبعة الأولى)).
هذا وقد كتب كل من ((الصاوي)) و ((جيفري)) مقدمةً لا يحق لأي باحث التقليل منهما؛ نظراً لظروف ذلك الزمن، وهذا الزمن، بل الإنصاف -والله يحب الإنصاف- الاعترافُ بسبقهما -وخاصة جيفري- وتقدير ما تحمّلا من عناء البحث حتى وصلتنا هاتان الرسالتان.
وقد ذكر جيفري في مقدمة تحقيقه ((مقدمةً)) عرّف فيها بالنسخ الخطية للكتابين، ومدى المتاعب التي عاشها، والأسباب التي جعلته يحقق هاتين الرسالتين، ويمكن تلخيص هذه المقدّمة في النقاط الآتية:
أ- أنه أعدّ هاتين الرسالتين لأصدقائه في المشرق والمغرب تلبيةً لرغبةٍ عبّر عنها الأستاذ براجستراسر ([2]) قبل وفاته بسنتين في مصر.
ب- أن براجستراسر ساء في عينيه ألا يوجد سبيل إلى الإفادة من هاتين الرسالتين.
ج- رغبة براجستراسر في نشر هاتين الرسالتين بعد انتهائه من نشر كتاب ((غاية النهاية)) لابن الجزري لكن ظروفاً قاسيةً حالت دون إنجاز قصده.
د- هاتان الرسالتان هما من مصادر المستشرق الألماني نولدكه ([3]) في كتابه ((تاريخ القرآن)).
ه- إنَّ تلميذ نولدكه وهو المستشرق ((شواللي)) ([4]) استعملها بعد شيخه.
و- أنَّ مؤلِّف كتاب ((المباني)) غير معروف.
المطلب الثاني: تصحيح وبيان:
تلك كانت أهم النقاط التي ذكرها ((جيفري)) في أسباب اختياره لنشر هاتين الرسالتين، ولا تعليق على ذلك، لكن ذكر بعد ذلك كلاماً يجدر الوقوف عنده قليلاً، حيث قال:
((ويظهر لنا من لغته -مؤلف ((المباني)) - وأسانيده أنه من علماء المغرب، وكثيراً ما نجد أنَّ ما يدلي به يجلو الأمور الغامضة في كتب أبي عمرو عثمان الداني القرطبي المنتشرة بيننا ... )) ([5]).
وهذا لا شك في أنه استظهار في غير محله، ويجانبه الصواب من طرفيه:
فأمّا من حيث اللغة فواضح الأسلوب المشرقي في عرضها، ولا أبالغ إذا قلت: إنّ الأسلوب اللغوي الذي كتبت به الرسالة بعيد كل البعد عن الأسلوب المغربي -الأندلسي- المتميز بصبغته الأدبية من الجناس وغيره من المحسنات البديعية.
وأما من حيث ((أسانيده)) وأعني شيوخه المباشرين الذين روى عنهم فهم غير معروفين -عندي- ولم أجد لهم ذكراً في المصادر المتوفرة ما عدا شيخيه ابن الهيصم والفارسي الذين لا شك أنهما مشرقيان وليسا مغربيين، كما سيأتي في ترجمتيهما.
المبحث الأوَّل: التعريف بالمؤلِّف، وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأوَّل: اسمه وكنيته ولقبه:
وأستسمح عذر القارئ الكريم في القول بأنه الآن جاء موعد الكشف عن اسم هذا ((المؤلِّف المجهول))، ويمكنني بكل ثقة واطمئنان -بفضل الله تعالى- أن أقول ومن الله أستمد العون والتوفيق:
إنَّ كتب التراجم جدّ شحيحة فيما يتعلق بهذا الرجل الذي يظهر من خلال كتابه أنه عالم قوي في قلمه وعلمه وأسلوبه، رغم أنِّي لم أجد له ترجمةً إلا عند الصريفيني ([6]) وابن الجزري ([7]) رحمهما الله، ومن خلال هذين الإمامين مع مصدر ثالث آخر سأكشف عنه بعد قليل ظهر بوضوح أنَّ المؤلِّف:
اسمُه: حامد بن أحمد بن جعفر بن بسطام.
كنيتُه: أبو محمد.
نسبتُه: الطحري.
ويلاحظ هنا أني كتبت اسمه كاملاً كما جاء عند الصريفيني، أما ابن الجزري فقد جاء الاسم عنده هكذا: حامد بن محمد (بياض) اهـ، فلم يذكر ما بعد ((أحمد)) لكنه اتفق معه في الكنية، وليس عنده ذكر للنسبة ([8]).
ولادته: لم أجد من تعرض لها، لكن معروف أنه كان حياً سنة: 425هـ، وهي السنة التي بدأ فيها بتأليف كتابه، حيث قال: وابتدأت بالأخذ في تأليفه واستخراجه يوم الأحد غرة شعبان سنة خمس وعشرين وأربعمائة. اهـ ([9])
والشيء المؤكد عندي أنه ولد بل ونشأ قبل سنة أربعمائة، دليل ذلك تلمذته وصحبته لشيخه ابن الهيصم الذي توفي قبل الأربعمائة فيما يظهر لعدم ترجمته في ((السياق))، و ((منتخبه)).
المطلب الثاني: عقيدته:
¥