تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[22 Mar 2006, 02:40 ص]ـ

........ ومن كلامه -رحمه الله- في سيرته الدعوية:"الدعوة إلى الله في أقطار مختلفة" هذا النص بطوله حيث تجد البحث الفقهي والسرد المشوق والفائدة التاريخية:

…و ذلك أنهم علموا أني حين أقمت بشفشاون وعظة قراء القرآن جماعة بلسان واحد أن يتركوا ذلك العمل لأنه مخالف للسنة و ذكرت لهم حديث أبي داود عن أبي سعيد الخدري قال: اعتكف صلى الله عليه و سلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة, فكشف الستر و قال: {ألا إن كلكم يناجي ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا و لا يرفع بعضكم على بعض في القراءة} و روى مالك في الموطأ عن فروة بن بياضة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج على الناس و هم يصلون و قد علت أصواتهم بالقراءة فقال: {إن المصلي يناجي ربه لينظر بما يناجيه به و لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن} قال ابن عبد البر: حديث البياضي و أبي سعيد ثابتان صحيحان. فاستمعوا لنصحي و تركوا القراءة على تلك الصورة ثم تبعهم أهل المساجد الأخرى.

…فوجد أمير شفشاون و نائب قاضيها باتفاق مع الوزير الوازر أنهم يدخلون علي من هذا الباب, فأعد الوزير و أعوانه فتوى في صحيفة طولها نحو ذراعين ـ أراني إياها الوزير فيما بعد ـ وزعموا أن الراجح في مذهب مالك أن القراءة برفع الصوت جماعة في المسجد ـ و إن كان الناس في كل لحظة يدخلون و يصلون تحية المسجد ـ جائزة بل مستحبة, و كل من درس مذهب المالكية في هذه المسألة يعرف أنهم كاذبون, و قد نص خليل على ذلك بقوله: (و جهر بها في مسجد كجماعة و أقيم القارئ في المسجد يوم الخميس أو غيره) و بسط في ذلك شراحه خصوصا المواق. فضربوا بذلك عرض الحائط و اتبعوا بنيات الطريق.

…و لما أعدوا الفتوى و أطلعوا على ذلك سادتهم المستعمرين رضوا عنهم و قالوا لهم: لله دركم من عبيد ناصحين مخلصين, فإن هذه المكيدة لم تخطر لنا على بال و بها يبقى أمرنا سرا مكتوما, فاتفقوا مع أمير شفشاون أن يأمر القراء بالعود إلى تلك المخالفة لأنهاهم أنا فيتخذ ذلك وسيلة للقبض علي و إيداعي السجن بدعوى التشويش في أمور الدين, فجاءني النذير من أصحابنا و أخبرني بأن الأمير و نائب القاضي و أعوانهما سينصبون هذا الفخ الشيطاني في الجامع الكبير يوم الجمعة و سيأتي الأمير بالشرطة ليقبضوني.

…و كنت في ذلك الوقت أقاسي من شدة الربو و الضعف الشيء الكثير فقال لي: وازع النفس الأمارة بالسوء: اترك صلاة هذه الجمعة و أنت مريض عذرك نعك و لا تجعل لهم سبيلا عليك فما بك قدرة على السجن و التعديب!! فقال لي وازع الله في قلبي: أنت خضت هذه المعركة منذ زمان طويل و لم تبال بما يصيبك في سبيل الله فكيف تجبن البوم؟! فغلبت النفس اللوامة على النفس الأملرةو و ذهبت و أنا أظن أنني لا أتم صلاة ركعتين تحية المسجد حتى يصعد الخطيب على المنبر و لا يبقى مجال لتغيير المنكر, و لكن ماكتب على المرء لا بد من وقوعه, فتوجهت إلى الجامع الكبير و وجدت جماعة القراء قد عادت إلى القراءة جماعة رافعين أصواتهم بأقوى ما يستطيعون, فصليت ركعتين ثم ذهبت إليهم و وقفت على حلقتهم و رفعت صوتي و قلت: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: {كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن و لا يؤذ بعضكم بعضا} فما كدت أنتهي من هذا الحديث حتلا سمعت صوتا و هو صوت الأمير يقول: اشت اسكت, فقلت: اسكت أنت يا جاهل يا ظالم أما تستحيي من الله أن تقبل حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم بمثل هذا من سوء الأدب؟! فما شعرت إلا و خمسة من الشرطة يدفعونني إلى باب المسجد, فمروا بي على نائب القاضي الحسن العمرتي فقام واقفا و قال بأعلى صوته: اضربوا الكلب الكافر. هذا أمر من الخليفة ففضح سرا دون أن يشعر, و لم يمهلوني أن أبحث عن حذائي فقلت لهم: أنا لا أمشي حافيا فذهب بعضهم و جاءني بأحذية متعددة حتى وجدت من بينها حذائي فاحتذيته, فصار أحدهم يدفعني في كتفي و يقول (زيد زيد) و معنى ذلك بالغة المغربية امش امش, فقلت: يا هذا هون عليك فإنك لا تستطيع أن ترعبني و لست بنادم على ما صنعت و لا خائف مما تبيتونه لي و الله غالب على أمره و لكنكم قوم تجهلون. قلت معنى ذلك باللغة المغربية, حتى أوصلوني إلى غرفة التوقيف التابعة لمكتب الأمير و أدخلوني و أغلقوا علي الباب, و كان معي مصلاي فبسطته و صليت الظهر أربع ركعات, و كانت رائحة كريهة تنبعث من أركان تلك الغرفة و إن كنت لم أر نجاسة فيها.

…و بعد نصف ساعة أي بعدما رجع الأمبر من الصلاة و علم أن أعوانه حبسوني في غرفة الموقوفين و هو يعلم خبثها تحركت فيه عاطفة الرفق, فأمر أحد الكتاب أن ينضم إلى موظف آخر و يترك غرفته حسبما سمعت و أمرني أن ينقلوني إلى غرفته, فسمعت صلصلة المفتاح في القفل ففتح الباب و دخل شرطي و قال لي: قم و اتبعني فانطلق بي إلى غرفة نظيفة فيها مقعد خشبي فجلست عليه و أغلق علي الباب بالمفتاح, فبعد قليل فتح الباب و دخل أحد الموظفين و هو من أقارب الأمير و هو المسمى ابن اليماني فجاءني بطعام فأكلت منه قليلا, و قال لي: إن الأمير نادم على عمله و لكنك أهنته أشد الإهانة على رؤوس الأشهاد فصار مضطرا إلى أن يعاملك بمثل هذه المعاملة فقلت له {اعملوا على مكانتكم إنا عاملون و انتظروا إنا منتظرون} هود:121,122.

…ثم علمت زوجتي بما وقع فبعثت لي فراشا و طعاما مع أخيها فلم أستطع أن آكل سيئا فقلت له: رده و آتني بالمصحف, لأن أحب أن أقرأ فيه لأكون أقوى على التدبر مني لو قرأت من حفظي فجاءني به.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير