تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[تنويع الزمن]

ـ[ن والقلم]ــــــــ[12 - 10 - 2005, 12:51 م]ـ

قال تعالى: (وحَاقَ بآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ، النّارُ يُعْرَضُون عَلَيْها غدوّاً وعشيّاً ويوم تقوم السّاعةُ أدخلوا آل فِرْعَوْنَ أشَدَّ الْعَذاب)

هذه الآية تتحدث عن وقائع ماضية هي غرق آل فرعون , ويتحدث بعد ذلك عن وقائع حاضرة وهي النار التي يعرضون عليها في البرزخ , ثم يتحدث عن وقائع مستقبلية وهي إدخال آل فرعون أشد العذاب. وبهذا يكون النص قد توكّأ على الزمن حسب تسلسله (الماضي) (الحاضر) (المستقبل). وهذا ما يسمى بتنويع الزمن.

والمقصود من تنويع الزمن: هو صياغته في الماضي أو الحاضر أو المستقبل. ولا شك، أنّ الأصل في الأشياء أن تسرد حسب تسلسلها الزمني فتبدأ من الماضي وتمر بالحاضر وتتّجه إلى المستقبل.

بيد ان النص الذي يستهدف الى توصيل فكرة خاصة الى المتلقي لا يخضع فكرته إلى التسلسل الزمني بالضرورة، بقدر ما يخضعها إلى متطلبات الفكرة ذاتها , كما في ذكر قصص موسى عليه السلام من حيث تقديم الزمن وتأخيره حسب الهدف الفكري للنص .. وهذا يعني أنّ الماضي والحاضر والمستقبل يفقد تسلسله الموضوعي، وتتلاشى الحدود بين أزمنته، وتقطع إلى وصلات تنتقل من (الحاضر) إلى (الماضي)، أو من (المستقبل) إلى (الحاضر)، أو من (الماضي) إلى (المستقبل) إلى (الحاضر)، وهكذا…

ويمكننا أن نجد في النموذج الآتي وهو سورة (النازعات) أمثلة واضحة للتقطيع الزمني.

السورة هكذا تبدأ:

الحاضر (والنازعات غرقا… إلى آخره) ثم تتّجه إلى:

المستقبل (يوم ترجف الرّاجفة… إلى آخره) ثم ترتدّ إلى:

الحاضر (يقولون: أإنّا … إلى آخره) ثم تتّجه إلى:

المستقبل (فإنّما هي زجرة واحدة … إلى آخره) ثم ترتدّ إلى:

الماضي (هل أتاك حديث…إلى آخره) ثم تتّجه إلى:

الحاضر (أأنتم اشدّ خلقاً…) ثم ترتدّ إلى:

الماضي (أمْ السّماءُ بناها…) ثم تتّجه إلى:

المستقبل (فإذا جاءت الطامة…) ثم ترتدّ إلى:

الحاضر (فأمّا من طغى…) ثم تتّجه إلى:

المستقبل (فإنّ الجحيم هي المأوى…) ثم ترجع إلى:

الحاضر (وأمّا من خاف مقامَ ربّه…) ثم تتّجه إلى:

المستقبل (فإنّ الجنة هي المأوى…) ثم تتّجه إلى:

الحاضر (يسألونك عن الساعة…) ثم تتّجه إلى:

المستقبل (كأنّهم يوم يرونها…)

وتختم السورة به، حيث نجد أنّ النقلات بين الأزمنة الثلاثة قد بلغت عدداً كبيراً يلفت الانتباه، دون أدنى شك. وكل ذلك يتمّ بطبيعة الحال بحسب ما يتطلّبه الزمان النفسي للقارئ. فالسورة بدأت بالحديث عن موقف حاضر هو (حركة الملائكة: النازعات) لِلَفْتِ نظرنا إلى أهمية هذه الحركة التي تنشط لقبض الأرواح ثم عبرته إلى المستقبل (يوم ترجف الراجفة) … وهذه النقلة خاضعة للزمن الموضوعي (حاضر ـ مستقبل)، ولكنّها عادت إلى (الحاضر) لتنقل لنا استجابة أو موقف المشكّكين باليوم الآخر، ثمّ اتّجهت إلى المستقبل لتشير إلى أنّها زجرة واحدة تفاجئ القوم، ثمّ قامت بعملية تذكير بوقائع (ماضية) هي قضية موسى مع فرعون ونهايته لتكون عبرة للمشكّكين، ثم ربطت بين الحاضر وبين الماضي من خلال مقارنتها بين خلق هؤلاء وبين خلق السماء التي هي أشدّ إبداعا… وهكذا، نجد أنّ النقلات الزمانية فرضتها طبيعة الزمان النفسي للمشكّكين أو الزمان النفسي للقارئ الذي يستهدف النص توصيل هذه الفكرة إليه لتعديل سلوكه…

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير