تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بيعٌ رابح

ـ[موسى أحمد زغاري]ــــــــ[05 - 11 - 2005, 06:55 ص]ـ

قال تعالى:

{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (111)

التوبة

قال تعالى:

{{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}} (111) التوبة.

هيا بنا إخواني نتدبر هذه الآية الكريمة:

{إن الله اشترى}

من المشتري؟ الله سبحانه وتعالى.

من البائع؟ العبد المؤمن.

أي صفقة من هذه؟ ومع من تتعامل؟

إذن التفاصيل مثيرة تستدعي الإهتمام وإصاخة السمع، وفتح العقول والصدور.

ثم قال الله تعالى:

{أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ}

ثم إن الله عز وجل قدم النفس على المال، لأن التضحية بالنفس أصعب من التضحية بالمال، فكان هذا التقديم والتأخير موافقاً للترتيب المعنوي حسب الأصعب فالأسهل. ولو اختلف لما كان صحيحاً، لأن النفس أعز من المال، وأدْعَى للمحافظة عليها. وجعل لذلك خير جزاء وهو الجنة.

ولكن البلاغة في الآية جاءت باستعارة البيع والشراء لهذه التضحية، وهذا الجزاء، فالله العزيز لم يقل من يضحي بدمه وماله أعطيه الجنة، او أدخله الجنة، وإنما استعار البيع والشراء لهما. أي للتضحية وفي المقابل الجزاء.

وقوله {بأن لهم الجنة} متعلق {باشترى}، ودخلت الباء هنا على المتروك على بابها، وسماها أبو البقاء (باء المقابلة)، كقولهم (باء العوض)، وكقولهم (باء الثمنية).

وقال الحسن ومجاهد ومقاتل: ثامنهم فأغلى ثمنهم.

وفيه لطيفةٌ، وهي أن المشتري لا بدَّ وأن يغاير البائع، وههنا البائعُ هو اللهُ تعالى، والمشتري هو الله، وهذا إنما يصحُّ في حقِّ القيم بأمر الطفل الذي لا يمكُنُه رعاية المصالح في البيع والشراء وصحَّة هذا البيع مشروطة برعاية الغبطة؛ فهذا جارٍ مجرى التَّنبيه على كون العبد كالطِّفلِ الذي لا يهتدي إلى رعاية مصالح نفسه؛ وأنَّهُ تعالى هو الرَّاعي لمصالحه بشرط الغبطةِ.

ثم قوله تعالى {يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}

عبر عن القتال بصيغة المضارع، وبصيغة الإخبار، ولم تأتي بصيغة الأمر. لماذا؟

عبر سبحانه بصيغة الإخبار وفيها معنى الأمر، كما في قوله تعالى:

{وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} (11) الصف.

وبصيغة المضارع، لدلالة على أن استمرار الجهاد في سبيله سبحانه، وفي هذه الصيغة دلالة إشارة على أن الجهاد مستمر إلى يوم القيامة، ويعضده ما جاء في الحديث الشريف ((الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة لا يبطله عدل عادل أو جور جائر)).

وقوله تعالى: {فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} بيانٌ لكون القتالِ في سبيل الله بذلاً للنفس وأن المقاتِلَ في سبيله باذلٌ لها وإن كانت سالمةً غانمة، فإن الإسنادَ في الفعلين ليس بطريق اشتراطِ الجمعِ بينهما ولا اشتراطِ الاتصافِ بأحدهما البتةَ بل بطريق وصفِ الكلِّ بحال البعضِ فإنه يتحقق القتالُ من الكل سواءٌ وجد الفعلان أو أحدَهما منهم أو من بعضهم بل يتحقق ذلك وإن لم يصدُرْ منهم أحدُهما أيضاً كما إذا وُجدت المضاربةُ ولم يوجد القتلُ من أحد الجانبين أو لم توجد المضاربةُ أيضاً فإنه يتحقق للجهادُ بمجرد العزيمة والنفير وتكثيرِ السواد، وتقديمُ حالةِ القاتلية على حالة المقتوليةِ للإيذان بعدم الفرقِ بينهما في كونهما مصداقاً لكون القتالِ بذلاً للنفس وقرىء بتقديم المبنيِّ للمفعول رعايةً لكون الشهادة عريقةً في الباب وإيذاناً بعدم مبالاتِهم بالموت في سبيل الله تعالى بل بكونه أحبَّ إليهم من السلامة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير