[تشخيص البر في صورة المؤمن]
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[10 - 10 - 2005, 11:56 ص]ـ
[تشخيص البر في صورة المؤمن]
قال تعالى:"ليس البر أن تولوا وجوهكم قِبَل المشرق والمغرب ولكن البر من اّمن بالله واليوم الاّخروالملائكة والكتاب والنبيين واّتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وفي الرقاب وأقام الصلاة واّتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون* صدق الله العظيم (البقرة177)
نزلت هذه الاّية الكريمة بعد استغراب واستهزاء اليهود والكفار بتغيير القبلة، فجاء الرد من الله سبحانه وتعالى نافيا أن يكون البر في تولية الوجوه بل هو في الإيمان والتقوى وعمل الخير.
وفي قوله تعالى:"ولكن البر من اّمن " تشخيص للبر المعنوي في صورة المؤمن الذي يتميز بصفات عديدة، وقد تم هذا التشخيص نتيجة حذف المضاف وقيام المضاف إليه مقامه، واتصاله مع البر، مما أدى إلى تحول البر إلى شخص مؤمن، وذلك بحسب قوة العلاقة المعنوية، حيث أخبر الله تعالى عن البر بأنه الشخص المؤمن، وقد جاء هذا التشخيص من أجل ترسيخ صورة البر وتقريبها إلى أذهان الناس عن طريق تحويل المعنوي إلى حسي يتمتع بالصفات التالية، التي ترتبت من الخاص إلى العام من حيث قوة العلاقة المعنوية وأهميتها للشخصية المؤمنة، وأول هذه الصفات هو: الإيمان بالله واليوم الاّخر والملائكة والكتاب والنبيين، وثانيهاهو: الإنفاق تطوعا، وقد قدمه على الصلاة والزكاة لأن الصلاة والزكاة فرضان، بينما التطوع نافلة ويدل على قوة الإيمان أكثر من الصلاة والزكاة، وثالثها: إقامة الصلاة، وقدمها على الزكاة لأن الصلاة عمود الدين، ومن أقامها أقام الدين، ومن هدمها هدم الدين، ورابعها: الزكاة، وخامسها: الوفاء بالعهد، حيث قال تعالى:"والموفون بعهدهم" وكلمة "الموفون" معطوفة على "من" رغم الفاصل الكبير بينهما، وكان حقها أن تأتي بعدها مباشرة، لأن التابع يتبع المتبوع، ولكنها تأخرت لأن الصفات التي قبلها أهم منها، وقد رُفِعت كلمة "والموفون" من أجل بيان أن علاقتها مع كلمة "من"لأنها معطوفة عليها، وفي هذا أمن للبس، وقد تم الفصل بين الاسم الموصول "من " وصلته"والصابرين في البأساء والضراء" بواسطة المعطوف "والموفون بعهدهم إذا عاهدوا " وسادسها: الصبر، حيث قال تعالى:"والصابرين" وكلمة "والصابرين" معطوفة على ذوي القربى وكان حقها أن تأتي بعدها مباشرة، ولكنها تأخرت لأن الصفات التي قبلها أهم منها، وقد نُصِبت كلمة"والصابرين" لبيان أن علاقتها مع كلمة ذوي القربى، لأنها معطوفة عليها رغم الفاصل الكبير بينهما، وفي هذا أمن للبس، فالمتكلم يستعمل العلامات للربط بين المعاني مهما تباعد بعضها عن بعض، ولهذا فالعلامات هي رمز للعلاقات المعنوية بين الكلمات داخل التركيب، وتشير إلى منزلة الكلمة ومكانتها داخله، وتمنع من اللبس.
والله أعلم.
ـ[جمال حسني الشرباتي]ــــــــ[10 - 10 - 2005, 07:11 م]ـ
أخي عزام
في هذا الجزء من الآية (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) أقوال هي
# لكنّ البّر برّ من آمن على حذف المضاف
# لكنّ ذا البرّ من آمن
# لكن البارّ من آمن بالله ... على اساس تسمية الفاعل بمعنى المصدر
و اود ان اضيف قولا اخر هو (و لكن البر في من آمن بالله.)
فما رأيك في هذا القول؟؟
ـ[موسى أحمد زغاري]ــــــــ[11 - 10 - 2005, 07:38 ص]ـ
أستاذي وأخي عزام، السلام عليكم.
أود المشاركة، ولكني أخشى أن يكون كلامي كالملح الأجاج بعد العذب الزلال.
:::
في هذه الآية فنون شتى من البلاغة
ا) فنُّ الإيجاز بحذف المضاف في قوله {ولكن البر من ءامن}. أو فن المبالغة إذا جعلناه نفس البر.
ب) المجاز المرسل في قوله {وفي الرقاب} والعلاقة الجزئية بذك الجزء وإرادة الكل.
ج) قطع التابع عن المتبوع، وضابطه أنه إذا ذكرت صفات للمدح أو الذم خولف في الإعراب تفنناً في الكلام، واجتلاباً للانتباه، بأن ما وصف به الموصوف، أو ما أسند إليه من صفات، جدير بأن يستوجب الاهتمام؛ لأن تغيير المألوف المعتاد يدلُّ على زيادة ترغيب في استماع المذكور، ومزيد اهتمام بشأنه. زالآية مثال لقطع التابع عن المتبوع في حال المدح، وأما مثاله في حال الذم فهو قوله تعالى في سورة تبَّت: {وامرأته حمالة الحطب} فقد نصب حمالة على الذم، وهي في الحقيقة وصف لامرأته.
أقيلوا عثراتي، وبارك الله فيكم.
ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[11 - 10 - 2005, 01:05 م]ـ
أخي جمال
بعد أن قال تعالى: ليس البر أن تولوا وجوهكم ...... " قال تعالى" ولكن البر (بر) من اّمن ....... " فنفى أولا وأثبت اّخرا وبناء عليه فكل الأقوال التي ذكرتها محتملة ما عدا القول الثاني.
والله أعلم
أخي موسى:
أولا: شكرا لك عل كلامك العذب الزلال.
ثانيا: شكرا لك على الإضافات الجميلة، وكلام الله تعالى لا تنفد أسراره، وكلما غاص الإنسان في أعماقه اكتشف حاجات كثيرة، وفيه الكثير من الاّراء والتفاسير.
وتوجيه النحاة في إعراب كلمة: الصابرين" أنها مفعول به لفعل لفعل المدح توجيه أحترمه، ولكنه ربما جاء من أجل التخلص من عملية الفصل بين الصلة والموصول الممنوعة عندهم، وكل هذا يؤدي إلى تقدير، ومالا يحتاج إلى تقدير أولى. والله أعلم
¥