[الفاصلة: برب موسى وهارون، وبرب هارون وموسى]
ـ[أنوار الأمل]ــــــــ[03 - 01 - 2006, 11:11 م]ـ
((من مواضع الفاصلة القرآنية التي كثر السؤال عنها آية (آمنا برب هارون وموسى) و (آمنا برب موسى وهارون)
اقترن موسى وهارون عليهما السلام في القرآن الكريم عشر مرات: تسع منها يتقدم ذكر موسى على هارون، أربع منها في غير الفاصلة، وخمس في الفاصلة
وتقدم ذكر هارون على موسى في موضع واحد وهو في الفاصلة.
نذكر بعض المواضع:
ـ على لسان السحرة: "قالوا آمنا برب العالمين. رب موسى وهارون" الأعراف والشعراء
ـ "فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى" طه 70
ولا مجال للقول بتغيير التعبير من أجل الفاصلة فقط، فالقارئ لسورة طه التي فيها الآية يرى أنها وإن كانت تسير على فاصلة واحدة إلا أنها قد تغير وسطها بفاصلة مختلفة حسب المعنى، فالفاصلة تأتي متسقة إن كان المعنى مناسبا معها ولكن لا يتغير المعنى من أجلها
وهذا مثال من سورة طه نفسها حيث تنتهي الفاصلة بالميم وسط فاصلة أخرى متصلة
وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77)
فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79)
قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85)
وهذا بعض ما ذكره العلماء في الرد على من سأل عن ذلك
ــالباقلاني في إعجاز القرآن: إعادة ذكر القصة الواحدة بألفاظ مختلفة تؤدي معنى واحدا من الأمرا لصعب الذي تظهر به الفصاحة وتتبين به البلاغة
ــ د. محمد أحمد الغمراوي
هارون أفصح من موسى عليهماا لسلام، وأكبر منه بثلاث سنوات، وهما ميزتان تسوغان تقدمه في أحد المواضع حين يذكران
أحمد مصطفى المراغي:: وإنما قالوا برب هارون وموسى، ولم يقتصروا على قولهم (رب العالمين) لأن فرعون كان ادعى البوبية فقال: أنا ربكم الأعلى. والألوهية إذ قال: ما علمت لكم من إله غيري
فلو قالوا ذلك فحسب لقال فرعون: آمنوا بي.
وإنما لم يقتصروا على ذكر موسى بل ذكروا هارون وقدموه عليه خوفا من هذه الشبهة أيضا إذ ان فرعون كان يدعي ربوبيته لموسى لأنه رباه في صغره كما قال (ألم نربك فينا وليدا)
ــ عبدالكريم الخطيب في كتاب إعجاز القرآن: والأمر ـ عندنا ـ أهون من هذا وأقرب متناولا، فهذه المقولات الثلاث التي حكاها القرآن علىلسان السحرة هي جميعها من مقولاتهم في تلك الحال، فقال بعضهم: رب هارون وموسى، وقال بعض آخر: رب موسى وهارون، وقال بعض ثالث: رب العالمين، وقال بعض رابع وخامس وسادس وهكذا .. قالوا جميعا مقولات تدل على الإ‘يمان بالله .. قالوها بأساليب مختلفة وبصور متباينة .. جهر بها بعضهم وخافت بها بعض .. ومحال أن يكونوا جميعا قالوا قولا واحدا على صورة واحدة .. فذلك ما لايتفق لهذاا لجمع الكثير، ولا يشهد له واقع الحياة. وكان الذي حكاه القرآن من مقولاتهم هو الوجه الغالب فيها .. وهذا ما يتفق وصدق القرآن وإعجازه.
ــ ويرى محمد الحسناوي في كتابه الفاصلة في القرآن ـ ومنه المنقولات السابقة ـ
أن هناك وجها بيانيا يصور الحالة النفسية التي كان عليها السحرة لما ظهرت معجزة موسى، فألقوا سجدا يتلعثمون بالشهادة كحال العبد الذي فرح بلقاء راحلته بعد ضياعها
للحديث صلة
ـ[أنوار الأمل]ــــــــ[03 - 01 - 2006, 11:11 م]ـ
أما الرد على السؤال الذي يقول إنه موقف واحد ... فما الصواب الذي قيل؟ فالرد فيه يسير، فالقرآن الكريم لم يحك ما قاله أولئك حرفيا، وإلا لكانوا جميعا من العرب، فهل نطق فرعون وسحرته وبنو إسرائيل بلغة العرب التي نزل بها القرآن؟
إن لكل لغته، ولكن القرآن يحكي الموقف العام الذي حدث، وينقل لنا الحالة النفسية والموقف الواقعي بلغته هو، لذلك فلا غضاضة في تغيير بعض الألفاظ ما دامت تحمل المعنى نفسه، وكل تعبير منها يناسب السياق الذي جاء فيه، وهذا هو إعجاز القرآن، فهو يأخذ المعنى المراد بدون أن يؤثر فيه، ثم يعرضه بصور متنوعة من القول ـ وهذا هو البيان ـ وفي كل منها المعنى نفسه، مع تفنن في القول، ومع وصف لحالات مختلفة أحيانا لموقف واحد، وفي كل مرة يأتي به في سياق خاص ويجلب له ما يناسبه من تعبيرات وألفاظ بدون أن يخل بالمعنى
وهذا الشيء عام في قصص القرآن كقصة موسى وقصة نوح وقصة مريم وغيرها من قصص القرآن
ثم إن في قصة السحرة بالتحديد مجالا لاختلاف التعبير لأنهم جماعة من الناس وليسوا فردا واحدا، فلو كنا في قصة مريم مثلا حين قالت: أنى يكون لي ولد، وأنى يكون لي غلام
فهو موقف واحد والقائل إنسان واحد، والرد فيه مشابه وهو أنها قالت قولا فيه ذلك المعنى العام من تعجبها من منحها مخلوقا أو إنجابها مولودا دون زوج. ثم صرّف القرآن ذلك المعنى في تعبيرات متشابهة تحمل المراد وتناسب السياق الذي يريد أن يضعنا في جوه والمعاني التي يريد جمعها فيه.
ويمكن لمن أراد المزيد عن هذا قراءة مقدمة الدكتور فاضل صالح السامرائي في الجزء الأول من كتابه: على طريق التفسير البياني
وسأنقل لكم نصه بعد قليل بإذن الله
¥