إعجاز وأي إعجاز: " ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ "
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[21 - 11 - 2005, 07:02 م]ـ
ورد الفعل (ذاق) ومشتقاته أكثر من ستين مرة في القرآن الكريم. ونلاحظ أنه حيثما جاء هذا الفعل فإنه يعني ذوق العذاب الأليم والبأس الشديد والموت والحميم والغسّاق وعذاب الخلد وعذاب النار وعذاب السعير والعذاب الشديد والعذاب الأكبر والعذاب الأدنى والعذاب الغليظ وعذاب الحريق وعذاب الخزي - أعاذنا الله وإياكم منه - وهو في كل هذه الآيات التي ورد فيها يدلّ على أن الإنسان يذوق وبال أمره وشرّ عمله ويجني ما كسبت يداه.
اللهم إلا في كلمة (أذقنا)، فإنها تعني ذوق الرحمة والنعماء، والفاعل في (أذقنا) هو الله الرحيم والمنعم. فعندما يكون هو جلّ شأنه الذي يذيق يكون الشيء المذوق هو الرحمة والخير، قال تعالى: " وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ " (يونس: 21)، وقال تعالى: " فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ " (الشورى: 48).
إذن فإن الإنسان الذي تصيبه سيئة فهي من صنع يده، وإذا وقع في العذاب والضراء والبأس الشديد فهو المسؤول عن ذلك، قال سبحانه: " يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ " (آل عمران: 106)، وقال أيضاً: " فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ " (السجدة: 14).
فإذا علمنا هذا فلنعد إلى الآية الكريمة التي كانت هدفنا الأول في هذه الكلمة، وهي قوله تعالى: " ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ " (الأنفال: 14)!
وقد حكى أهل التفسير أن هذه الآية نزلت في الكفار الذين أخزاهم الله عزّ وجلّ في معركة بدر. والأمر الذي يهمنا في الآية هو أسلوب الالتفات، وهو أسلوب بلاغي، ويكون عندما يتغيّر الضمير في الكلام والمخاطب أو المتحدّث عنه واحد. كأن تحدّث صديقك فتقول له: أنت كذا وأنت فعلت كذا، ثم تقول عنه فجأة: لم يعجبه الكلام. فالضمير في (يعجبه) هو نفس الضمير في (أنت)، ولكنك التفت لغرض بلاغي، لتنبيهه أو لإثارة مشاعره.
وهكذا كان الالتفات في هذه الآية الكريمة، فبعد أن كان الضمير هو ضمير الخطاب " ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ "، قال الله عزّ وجلّ: " وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ "، ولم يقل: وإن لكم عذاب النار. فما هو الأمر الذي دعا إلى الالتفات ههنا؟ إنه من إعجاز هذا الكتاب الحكيم!
ذلك أن الله عزّ وجلّ يعلم أن ممن كانوا كافرين في أثناء معركة بدر سوف يسلمون ويحسن إسلامهم، ومنهم: خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وأبو سفيان، وعكرمة بن أبي جهل، وغيرهم .. فلو قال جلّ جلاله: وإن لكم عذاب النار، لدخل هؤلاء في هذا الحكم، ولكنه جلّت حكمته قال: " وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ "، أي: مَن يبقى منهم على كفره، ومن يدخل في دائرة الكافرين إلى يوم الدين ..
فسبحان منزل القرآن العظيم ..
ـ[سليم]ــــــــ[21 - 11 - 2005, 08:47 م]ـ
السلام عليكم
بارك الله فيك أخي لؤي على هذا الاداء, والآية فيها من الاعجاز ما يعجز عنه القلم واليراع, اُنظر ماذا يقول الطبري: ولفتح " أن " من قوله: (وأن للكافرين)، من الإعراب وجهان:
أحدهما الرفع, والآخر: النصبُ.
فأما الرفع، فبمعنى: ذلكم فذوقوه, ذلكم وأن للكافرين عذاب النار= بنية تكرير " ذلكم ", كأنه قيل: ذلكم الأمر، وهذا.
وأما النصب: فمن وجهين: أحدهما: ذلكم فذوقوه, واعلموا, أو: وأيقنوا أن للكافرين= فيكون نصبه بنية فعل مضمر, قال الشاعر:
وَرَأَيْتِ زَوْجَكِ فِي الوَغَى
مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحَا
بمعنى: وحاملا رمحًا.
والآخر: بمعنى: ذلكم فذوقوه, وبأن للكافرين عذاب النار= ثم حذفت " الباء "، فنصبت.