تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[المجاز في القرآن. لماذا؟]

ـ[موسى أحمد زغاري]ــــــــ[10 - 10 - 2005, 01:21 ص]ـ

أخواني، تعلمون أن البعض ينكر وقوع المجاز في القرآن متعللين بأن المجاز أخو الكذب، وأن هذا محال على كتاب الله.

فما رأيكم دام فضلكم؟

ـ[جمال حسني الشرباتي]ــــــــ[10 - 10 - 2005, 05:38 ص]ـ

هذا فصل من كتاب الجرجاني "دلائل الإعجاز" فيه خير وافر


اعلم أن طريق المجاز والاتساع في الذي ذكرناه قبل أنك ذكرت الكلمة وأنت لا تريد معناها ولكن تريد معنى ما هو ردف له أو شبيه.
فتجوزت بذلك في ذات الكلمة وفي اللفظ نفسه.
وإذ قد عرفت ذلك فاعلم أن في الكلام مجازاً على غير هذا السبيل وهو أن يكون التجوز في حكم يجري على الكلمة فقط وتكون الكلمة متروكة على ظاهرها ويكون معناها مقصوداً في نفسه ومراداً من غير تورية ولا تعريض.
والمثال فيه قولهم: نهارك صائم وليلك قائم ونام ليلي وتجلى همي.
وقوله تعالى: " فما ربحت تجارتهم " وقول الفرزدق من الطويل:
سقتها خروق في المسامع لم تكن

علاطاً ولا مخبوطة في الملاغم

أنت ترى مجازاً في هذا كله ولكن لا في ذوات الكلم وأنفس الألفاظ ولكن في أحكام أجريت عليها أفلا ترى أنك لم تتجوز في قولك: نهارك صائم وليلك قائم في نفس صائم وقائم ولكن في أن أجريتهما خبرين على النهار والليل.
وكذلك ليس المجاز في الآية في لفظه ربحت نفسها ولكن في إسنادها إلى التجارة.
وهكذا الحكم في قوله سقتها خروق ليس التجوز في نفس سقتها ولكن في أن أسنده إلى الخروق.
أفلا تر أنك لا ترى شيئاً منها إلا وقد أريد به معناه الذي وضع له على وجهه وحقيقته فلم يرد بصائم غير الصوم ولا بقائم غير القيام ولاب ربحت غير الربح ولاب سقت غير السقي كما أريد ب سالت في قوله من الطويل: وسالت بأعناق المطي الأباطح غير السيل.
واعلم أن الذي ذكرت لك في المجاز هناك من أن من شأنه أن يفخم عليه المعنى وتحدث فيه النباهة قائم لك مثله هاهنا.
فليس يشتبه على عاقل أن ليس حال المعنى وموقعه في قوله من الرجز:
فنام ليلي وتجلى همي
كحاله وموقعه إذا أنت تركت المجاز وقلت: فنمت في ليلي وتجلى همي كما لم يكن الحال في قولك: رأيت رجلاً كالأسد.
ومن ذا الذي يخفى عليه مكان العلو وموضع المزية وصورة الفرقان بين قوله تعالى: " فما ربحت تجارتهم " وبين أن يقال: فما ربحوا في تجارتهم وإن أردت أن تزداد للأمر تبيناً فانظر إلى بيت الفرزدق من الكامل:

يحمي إذا اخترط السيوف نساءنا

ضرب تطير له السواعد أرعل

وإلى رونقه ومائه وإلى ما عليه من الطلاوة.
ثم ارجع إلى الذي هو الحقيقة وقل: نحمي إذا اخترط السيوف نساءنا بضرب تطير له السواعد أرعل ثم اسبر حالك هل ترى مما كنت تراه شيئاً.
وهذا الضرب من المجاز على حدته كنز من كنوز البلاغة ومادة الشاعر المفلق والكاتب البليغ في الإبداع والإحسان والاتساع في طرق البيان.
وأن تجيء بالكلام مطبوعاً مصنوعاً وأن يضعه بعيد المرام قريباً من الأفهام.
ولا يغرنك من أمره أنك ترى الرجل يقول: أتى بي الشوق إلى لقائك وسار بي الحنين إلى رؤيتك وأقدمني بلدك حق لي على إنسان وأشباه ذلك مما تجده لسعته وشهرته يجري مجرى الحقيقة التي لا يشكل أمرها فليس هو كذلك أبداً بل يدق ويلطف حتى يمتنع مثله إلا على الشاعر المفلق والكاتب البليغ وحتى يأتيك بالبدعة لم تعرفها والنادرة تأنق بها.
وجملة الأمر أن سبيله سبيل الضرب الأول الذي هو مجاز في نفس اللفظ وذات الكلمة.
فكما أن من الاستعارة والتمثيل عامياً مثل: رأيت أسداً ووردت بحراً وشاهدت بدراً وسل من رأيه سيفاً ماضياً.
وخاصياً لا يكمل له كل أحد مثل قوله: وسالت بأعناق المطي الأباطح كذلك الأمر في هذا المجاز الحكمي.
واعلم أنه ليس بواجب في هذا أن يكون للفعل فاعل في التقدير إذا أنت نقلت الفعل إليه عدت به إلى الحقيقة مثل أن تقول في " ربحت تجارتهم ": ربحوا في تجارتهم وفي يحمي نساءنا ضرب: نحمي نساءنا بضرب فإن ذلك لا يتأتى في كل شيء.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير