ضروب البلاغة وما حلّ بها
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[21 - 11 - 2005, 06:54 م]ـ
البلاغة ضروب: فمنها بلاغة الشعر، ومنها بلاغة الخَطابة، ومنها بلاغة النثر، ومنها بلاغة المَثَل، ومنها بلاغة العقل، ومنها بلاغة البديهة، ومنها بلاغة التأويل ..
وأمثلة هذه الأبواب موجودة في الكتب، ولولا ذلك لرسمت في هذا المكان لكل فن مثالاً وشكلت شكلاً، ولو فعلت ذلك لكنت مكرّراً لما قد سُبق إليه، ومتكلّفاً ما قد لُقّن. على أني آثرت التعريف بكل صنف منها، لما ارتأيته في أقوال العلماء.
فأما بلاغة الشعر فأن يكون نحوه مقبولاً، والمعنى من كل ناحية مكشوفاً، واللفظ من الغريب بريئاً، والكناية لطيفة، والتصريح احتجاجاً، والمؤاخاة موجودة، والمواءمة ظاهرة.
وأما بلاغة الخَطابة فأن يكون اللفظ قريباً، والإشارة فيها غالبة، والسّجع عليها مستولياً، والوهم في أضعافها سابحاً، وتكون فِقَرُها قصاراً، ويكون رِكابُها شواردَ إبل.
وأما بلاغة النثر فأن يكون اللفظ متناولاً، والمعنى مشهوراً، والتهذيب مستعملاً، والتأليف سهلاً، والمراد سليماً، والرونق عالياً، والحواشي رقيقة، والصفائح مصقولة، والأمثلة خفيفة المأخذ، والهوادي متّصلة، والأعجاز مفصّلة.
وأما بلاغة المَثَل فأن يكون اللفظ مقتضباً، والحذف محتملاً، والصورة محفوظة، والمرمى لطيفاً، والتلويح كافياً، والإشارة مُغنِية، والعبارة سائرة.
وأما بلاغة العقل فأن يكون نصيب المفهوم من الكلام أسبق إلى النفس من مسموعه إلى الأذن، وتكون الفائدة من طريق المعنى أبلغ من ترصيع اللفظ وتقفية الحروف، وتكون البَساطة فيه أغلبَ من التركيب، ويكون المقصود ملحوظاً في عُرض السَّنَن، والمرمى يُتلقّى بالوهم لحسن الترتيب.
وأما بلاغة البديهة فأن يكون انحياش اللفظ للفظ في وزن انحياش المعنى للمعنى، وهناك يقع التعجّب للسامع، لأنه يهجُم بفهمه على ما لا يُظنّ أنه يظفر به كمن يعثر بمأموله على غفلة من تأميله، والبديهة قدرة روحانية في جِبِلّة بشرية، كما أن الرَوِيّة صورة بشرية في جبلّة روحانية.
وأما بلاغة التأويل فهي التي تحوج لغموضها إلى التدبّر والتصفّح، وهذان يفيدان من المسموع وجوهاً مختلفة كثيرة نافعة، وبهذه البلاغة يُتسع في أسرار معاني الدين والدنيا، وهي التي تأوّلها العلماء بالاستنباط من كلام الله عزّ وجلّ وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم - في الحرام والحلال، والحظر والإباحة، والأمر والنهي، وغير ذلك مما يكثر - وبهذا تفاضلوا، وعليها تجادلوا، وفيها تنافسوا، ومنها استَمْلَوْا، وبها اشتغلوا.
ولقد فُقدت هذه البلاغة لفقد الروح كله، وبطل الاستنباط أوله وآخره، وجولان النفس واعتصار الفكر إنما يكونان بهذا النمط في أعماق هذا الفن. وههنا تنثال الفوائد، وتكثر العجائب، وتتلاقح الخواطر، وتتلاحق الهمم، ومن أجلها يُستعان بقوى البلاغات المتقدّمة بالصفات الممثّلة، حتى تكون معينة ورافدة في إثارة المعنى المدفون، وإنارة المُراد المخزون.
وقد كان هذا الباب يُتنافس فيه أوان كان للخلافة بهجة، وللنيابة عنها بهاء، وللديانة معتقد، وللمروءة عاشق، وللخير منتهِز، وللصدق مؤثِر، وللأدب شُرَاة، وللبيان سوق، وللصواب طالب، وفي العلم راغب. فأما اليوم واليد عنه مقبوضة، والذيل دونه مشمِّر، والمتحلِّي بجماله مطرود، والمباهي بشرفه مبعَد، فما يُصنع به، ولله أمرٌ هو بالغه.
ـ[موسى أحمد زغاري]ــــــــ[21 - 11 - 2005, 10:35 م]ـ
أخي واستاذي لؤي لقد أسمع كلامك هذا من به صمم
وبصَّرَ من للفهم نَهمُ
أخوكم
موسى