[إشراقات قرآنية.]
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[04 - 10 - 2005, 10:37 م]ـ
الإشراقة الأولى:
" إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ " -النمل: 91
المقصود بالبلدة مكة المكرمة زادها الله عزا وعظمة.
في المقطع القرآني " أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا " لمسة جمالية في التعبير, وهو أن تشريف مكة المكرمة جاء من وجهين:
الأول: إضافتها إلى الرب في قوله نعالى (رب هذه البلدة).
الثاني: إضفاء صفة الحرمة عليها في قوله (الذي حرمها) والتي تعني شرفها وجعل لها حرمتها التي لا ينبغي ن تنتهك, حيث جعل لها قدسية خاصة وأحكاما و حرمة لم يخص غيرها بها.
كما أن في قوله " وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ " نكتة بلاغية حيث جاء هذا المقطع إشارة إلى أن ملك الله سبحانه وتعالى واسع لا حدود له, وأنه لا ينحصر في مكة وحدها, فكل شيء هو ملك لله, وفي ذلك دفع لتوهم من يرى أن ملك الله محصور في مكة , حيث دأب المشركون على توزيع الكون على آلهتم الباطلة حيث خصصوا جزءا لكل إله لديهم, بينما يشير هذا المقطع إلى شمولية ملك الله سبحانه وتعالى وعدم محدودية ملكه, وعدم مشاركة أحد له في ملكه.
كما نستفيد أيضا أن مكة المكرمة قد شرفت بذكر اندراجها تحت ربوبيته على جهة الخصوص وعلى جهة العموم.
نلاحظ أن الآية بُدأت بـ " إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة " وا ختُتمت بـ " و أمرت أن أكون من المسلمين ", وفي هذين المقطعين وقفة للتأمل في روح القرآن, حيث أ ن في المقطع الأول إشارة إلى عبادة الله وحده, وفي المقطع الثاني إشارة إلى التسليم المطلق والكلي له سبحانه وتعالى.
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[14 - 10 - 2005, 03:33 م]ـ
الإشراقة الثانية:
" وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين " النمل 92
جاءت هذه الآية بعد الآية السابقة التي حلقنا في أجواءها:
" إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ " -النمل: 91
و في هذه الأية الكريمة إشراقات وإضاءات تعمق في النفس معاني الارتباط بالله عز وجل.
أشرنا إلى هدفين عظيمين في الآية السابقة, وهما: عبادة الله وحده, والتسليم المطلق والكلي له سبحانه وتعالى.
وجاءت هذه الآية لتعطينا الطريقة التي تسهل لنا الوصول إلى هذين الهدفين وهي تلاوة القرآن الكريم " وأن أتلو القرآن", ففي تلاوة القرآن إضاءة للروح, فالروح عندما تتأمل في معاني القرآن الكريم فإن ذلك سيحلق بها في أجواء الطهارة, من خلال ما تنتهله من عذب معين القرآن الكري, الذي يوجد لها معنى الحياة الحيقية.
ونجد الدعوة إلى تلاوة القرآن , و تدبر آياته في مواضع أخرى:
" أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أغفالها " - محمد: 24
" فاقرءوا ما تيسر من القرآن " المزمل: 20
ويشير الخطاب الإلهي إلى أهمية القرآن كمنهج حياة:
إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين " - الإسراء 9
" وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين " الإسراء: 82
" ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون " - الزمر: 27
وهذا الرابط بين القرآن والهداية ندركه عند تأملنا قوله تعالى " وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ... "
قال الألوسي: أي أن منافع اهتدائه تعود إليه " (1)
" ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين " أي من لم يهتد به و أعرض عن ذكر ربه فعليه ضلاله ووبال كفره.
تأملوا الاختلاف في التعبير القرآني بين هاتين الصورتين:
" فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه "
" ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين "
في هذه الصورة الأخيرة, لم يقل القرآن: ومن ضل فعليه ضرره, كما أخبر في موضوع الهداية, وقد عقب على ذلك صاحب الأمثل بقوله:
" وهذا الاختلاف في التعبير لعله إشارة إلى أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم يقول: إني لا أسكت بوجه الضالين أبدا, ولا أتركهم على حالهم بل أظل أنذرهم و أواصل الإنذار ولا أعيا عن ذلك, لأني من المنذرين. " (2)
(1) تفسير روح المعاني للألوسي, الجزء 19
¥