[المسلمون والتدين]
ـ[أمين نايف ذياب]ــــــــ[18 - 10 - 2005, 12:08 م]ـ
المسلمون والالتزام بالتدين
ما هو الإسلام؟ الإسلام ايدولوجيا منسقة ومتماسكة، له أساسه الفكري المتمثل بالإيمان بما قبل الحياة، وهو الله، وما بعد الحياة، وهو البعث والجزاء، وان الحياة الإنسانية هي حياة استخلاف وتكليف وللإسلام معاييره وموازينه للإقبال والإدبار عن فعل أو علاقة، وله نظرية سياسية جماعية يضبطها العدل، ونظرته إنسانية محضة ودعوة الإسلام دعوة عالمية، للبشر كافة، باعتبارهم بشرا، لا مجرد أعضاء في جماعة عرقية، أو قومية، أو دينية، أو طائفية ورعايته تقدم للإنسان بصفته إنسانا وبشرا، لا بأي اعتبار آخر.
ما هو الدين أو التدين؟ الدين أو التدين: هو حالة شعورية، عاطفية ناشئة عن شعور الإنسان الفطري، بالعجز النقص، الاحتياج وإشباع هذه الحالة الشعورية، يتم بالتعظيم والتقديس ويتلقن الإنسان الناشئ، منذ بداية تمييزه، من أهله ومجتمعه، كيفيات هذا التعظيم والتقديس بصورة دوغمائية فينشأ من ذلك الفرد المتعبد والجماعة المتعبدة، تجمعها صورة التعبد، ويفرقها الكدح في مطالب الحياة الأخرى، ومن هنا تنشأ عند الإنسان المتعبد، والجماعة المتعبدة، مسلكيات متناقضة، وغير متسقة ومفككة.
معنى أن الإسلام دين معنى واحد لا غير، إن مصدره شكلا، ومضمونا من عند الحكيم الخبير لكنه تنزل لصلاح الإنسانية وعلاج مشاكلها، ولذلك فالإسلام ليس تدينا، بل الإسلام ايدولوجيا شمولية لعلاج مشاكل الحياة الإنسانية، مهما تنوعت وتعددت، إن إعطاء الإسلام شكل التدين هو حالة اعوجاج عن الإسلام، بل حالة خطرة تحرف الإسلام عن مساره وأهدافه، وتجعله يلبس هديا غير هديه ويسير في مسار ليس مساره، ويتمحور حول الآخرة من خلال العبادات والأخلاق وإعمال الخير مع فقدان العبادات والأخلاق وعمل الخير لحيويتها وجماعتها وإنسانيتها، فالفردية أساسها والمظاهر حركتها والانتهازية والوصولية محورها إنها دخول سنن النصارى واليهود، فتتحول الأمة في مجملها إلى أمة ميتة تمالئ من بيده الأمر وتهون على نفسها وتستكبر على الضعفاء والأيتام وتأخذ دينها من زمرة الأحبار والرهبان، تؤمن بالخرافات والأساطير وتنتظر القدرية الغيبية ليتحقق لها حلمها وإذ طال الدرب عليها لجأت إلى التبرير أو الكذب أو محاولة الاتصال بالجن أو بالسحرة لعل الجن والسحرة يقدمون لها العون أو تحولت إلى جماعة تنتظر المسيّا المنتظر ليحقق لها العدل والنصر تلك هي أحوال الأمم المتدينة سواء أكانت بوذية أو نصرانية أو يهودية أو إسلامية فلا فرق إلا ببعض المقولات ومع ادعائهم التدين والزهد فهم احرص الناس على الدنيا.
إن النظرة للإسلام على انه دين وتدين يفقد الإسلام روحه وحيويته ويحوله من كينونة حية نامية متحركة فاعلة، إلى كيان ميت جامد متحجر مفتقد للفاعلية، وهذا ما يلاحظه كل مراقب لحركة المجتمع، والحالة الفكرية التي هو عليها ومراقبة حس المجتمع، إن مجتمع التدين والمتدينين يثور حينما يطأ احد الناس سجادة مسجد ولا يتحرك أدنى حركة حين يلطم الجلاوزة وجه الإنسان، بل إن الناس يشتركون مع الجلاوزة في لطم وجه الإنسان إذا سرق حصيرة مسجد ويبكي مجتمع التدين والمتدينين على عدم بناء مسجد في حارة، ولا يتأثر إذا رأى عائلة تفترش الغبراء وتلتحف السماء، ولهذا وصف القرآن الكريم مثل هذا المجتمع بقوله في سورة الماعون
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ % فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ % وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ % فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ % الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ % الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ % وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ %
لقد استطاع المتدينون تحويل هذه السورة القرآنية التي تندد بالمجتمع حين تحوله إلى مجتمع المتدينين بأنهم (يكذبون بالدين) رغم دعوى إيمانهم، وأنهم يستحقون (الويل) رغم صلاتهم، لأنهم في الحقيقة (ساهون) عنها، إلى أنها تنديد بمن يؤخر الصلاة، وتنديد بالكفار، مع أن كل السورة حول مسؤوليات المؤمنين المصلين تجاه الآخرين الضعفاء اليتيم والمسكين وصاحب الحاجة وتنديد (بالمراءاة) التي لا تكون إلا للمستكبرين.
إن حركات المتدينين أمس واليوم وغدا، هي المسئولة عن حالة الضياع التي عليه الأمة الإسلامية، وهي التي وطأت لعدو الأمة الرأسمالي الغربي ليتحكم في مصير هذه الأمة الإسلامية الخيرة، وهي التي حولت جماهير الأمة الإسلامية إلى حالة من الغثاء.
إن الأمة الإسلامية هي التي تعرف معنى التوحيد والعدل، و المنزلة بين المنزلتين وصدق وعد الله وصدق وعيده، ووجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتباشر الحياة على هدى هذه الأصول الخمسة فتسعى بشكل امة لفك التبعية ووحدة الدولة تحت راية الإسلام بقيادة أمام هدى لا أئمة ضلالة، وبذل الجهد في تحديد هوية الأمة فكرا وأحكاما وآراء مبلورة صافية نقية، وتعمل لتتسلم قيادة العالم وإنقاذه من هوة الضياع وحراثة البحر وزراعة الأرض اليباب، إلى استقامة الدرب واستنارة الفكر وجدية الفعل، فتغير السيرورة التاريخية للأمة الإسلامية في نواة ثم التوسع في العالم الإسلامي، والتأثير في السياسة العالمية، والعلاقات الدولية فتكون رسالة الإسلام رحمة للعالمين وهداية للضالين وطمأنينة للمستضعفين وسعادة للمؤمنين في جنات الخلد.
والله أكبر ولله الحمد