تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[عاشق جمال الفصحى]ــــــــ[24 - 10 - 2005, 12:05 ص]ـ

وعدماً، لترتب الجزاء الأهم عليه وجوداً وعدماً، وليست شرطية مسوقة على طبع الشرطيات الدائرة عندنا، فإنا نستعمل إن الشرطيه طبعاً فيما نجهل تحقق الجزاء للجهل بتحقق الشرط، وحاشا ساحة النبي صلى الله عليه وآله من أن يقدر القرآن في حقه احتمال أن يبلغ الحكم النازل عليه من ربه، وأن لا يبلغ! انتهى.

المسألة الثالثة: في نوع تخوف النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

ولا بد من القول بأن الخوف الذي كان عند النبي صلى الله عليه وآله كان خوفاً على الرسالة، وليس على شخصه من القتل أو الأذى، وذلك لعصمته وتقواه وشجاعته صلى الله عليه وآله.

فإن الله تعالى كان أخبر رسوله صلى الله عليه وآله من الأيام الأولى لبعثته، بثقل مسؤولية النبوة والرسالة، وجسامة تبعاتها .. وكان صلوات الله عليه وآله موطِّناً نفسه على كل ذلك، فلا معنى لأن يقال بأنه تلكأ بعد ذلك أو تباطأ أو امتنع في أول البعثة، أو في وسطها أو في آخرها، حتى جاءه التهديد والتطمين!!

وقد تبين مما تقدم أن الخوف على الرسالة الذي كان يعيشه النبي صلى الله عليه وآله عند نزول الآية، ليس إلا خوفه من ارتداد الأمة، وعدم قبولها إمامة عترته من بعده.

المسألة الرابعة: في معنى الناس في الآية:

ـ قال الفخر الرازي في تفسيره: 6 جزء 12

50:

واعلم أن المراد من (الناس) ها هنا الكفار بدليل قوله تعالى: إن الله لا يهدي القوم الكافرين .. . لا يمكنهم مما يريدون. انتهى.

ولا يمكن قبول ذلك، لأن نص الآية العصمة من (الناس) وهو لفظ أعم من المسلمين والكفار، فلا وجه لحصره بالكفار ..

وقد تصور الرازي أن المعصوم منهم هم الذين لا يهديهم الله تعالى، وأن المعنى: إن الله سيعصمك من الكفار ولا يهديهم. ولكنه تصورٌ خاطىَ، لأن ربْط عدم هدايته تعالى للكفار بالآية يتحقق من وجوه عديدة .. فقد يكون المعنى: سيعصمك من كل الناس، ولا يهدي من يقصدك بأذى لأنه كافر. أو يكون المعنى: بلغ وسيعصمك الله


(210)
من الناس، ومن أبى ما تبلغه فهو كافر، ولا يهديه الله تعالى. وقد ورد شبيه هذا المعنى في البخاري: 8|139 قال: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى! قالوا: يا رسول الله ومن يأبى! قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى. انتهى.
فإبقاء لفظة (الناس) على إطلاقها وشمولها للجميع، يتناسب مع مصدر الأذى والخطر على النبي صلى الله عليه وآله الذي هو غير محصور بالكفار، بل يشمل المنافقين من الأمة أيضاً. بل عرفت أن الخطر كاد يكون عند نزول الآية محصوراً فيهم.
ولكن الرازي يريد إبعاد الذم في الآية عن المنافقين، وإبعاد الأمر الإلَهي فيها عن تبليغ ولاية أمير المؤمنين علي عليه السلام!
المسألة الخامسة: في معنى العصمة من الناس:
وقد اتضح مما تقدم أن العصمة الإلَهية الموعودة في الآية، لابد أن تكون متناسبة مع الخوف منهم، ويكون معناها عصمته صلى الله عليه وآله من أن يطعنوا في نبوته ويتهموه بأنه حابى أسرته واستخلف عترته، وقد كان من مقولاتهم المعروفة أن محمداً صلى الله عليه وآله يريد أن يجمع النبوة والخلافة لبني هاشم، ويحرم قبائل قريش .. !!
وكأنه صلى الله عليه وآله هو الذي يملك النبوة والإمامة ويعطيهما من جيبه!!
فهذا هو المعنى المتناسب مع خوف الرسول صلى الله عليه وآله وأنه كان يفكر بينه وبين نفسه بما سيحدث من تبليغه ولاية علي عليه السلام.
فهي عصمةٌ في حفظ نبوته عند قريش، وليست عصمةً من القتل أو الجرح أو الأذى، كما ادعت الأقوال المخالفة. ولذلك لم تتغير حراسته صلى الله عليه وآله بعد نزول الآية عما قبلها، ولا تغيرت المخاطر والأذايا التي كان يواجهها، بل زادت.
والقدر المتيقن من هذه العصمة حفظ نبوة النبي صلى الله عليه وآله في الأمة وإن ثقلت عليهم أوامره، وقرروا مخالفته. والغرض منها بقاء النبوة، وتمام الحجة لله تعالى.
وهي غير العصمة الإلَهية الأصلية للرسول صلى الله عليه وآله في أفعاله وأقواله وكل تصرفاته!

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير