تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كما أن آياتها لا تنص على ذم السائل عن ذلك العذاب، فقد يكون مجرد مستفهمٍ لا ذنب له، وقد يكون السائل بالعذاب هنا بمعنى الداعي به، وقد رأيت أن القرطبي ذكر قولاً بأن السائل بالعذاب نبي الله نوح عليه السلام، وقولاً آخر بأنه نبينا صلى الله عليه وآله!

ولذلك يرد في الذهن سؤال: من أين أطبق المفسرون الشيعة والسنة على أنها تشمل العذاب الدنيوي، وأن ذلك السائل بالعذاب سأل متحدياً ومكذباً؟!

والجواب: أن سر ذلك يكمن في (باء) العذاب، وأن (سأل به) تعني التساؤل عن الشيىء المدعى وطلبه، استنكاراً وتحدياً!

فكلمة: سأل به، تدل على أن السائل سمع بهذا العذاب، لأن النبي صلى الله عليه وآله كان ينذرهم بالعذاب الدنيوي والأخروي معاً .. فتساءل عنه، وأنكره، وتحدى أن يقع!

وقد أجابه الله تعالى بالسورة، ولم ينف سبحانه العذاب الدنيوي لأعدائه، وإن كان ركز على العذاب الأخروي وأوصافه، لأنه الأساس والأكثر أهميةً واستمراراً،


(302)
ولأن صفته الجزائية أكثر وضوحاً.
فكأن السورة تقول: أيها المستهزؤون بالعذاب الذي ينذركم به رسولنا .. إن كل ما أنذركم به من عذاب دنيوي أو أخروي سوف يقع، ولا دافع له عن الكفار .. فآمنوا بالله ليدفعه عنكم، بحسب قوانينه تعالى في دفع عذابه عن المؤمنين.
فقوله تعالى (للكافرين ليس له دافع) ينفي إمكان دفعه عن الكافرين، فهو ثابت لمن يستحقه منهم، وهو أيضاً ثابتٌ لمن يستحقه من الذين قالوا آمنا، لكن دافعٌ هو التوبة والإستغفار مثلاً.
كما أن (الكافرين) في الآية لا يبعد أن تكون بالمعنى اللغوي، فتشمل الكافرين ببعض آيات الله تعالى، أو بنعمه، ولو كانوا مسلمين.
وعندما نشك في أن كلمة استعملت بمعناها اللغوي أو الإصطلاحي، فلا بد أن نرجح المعنى اللغوي، لأنه الأصل، والإصطلاحي يحتاج الى قرينة.
وقد وقع المفسرون السنيون في تهافتٍ في تفسير السورة، لأنهم جعلوا (العذاب الواقع) عذاباً أخروياً أو لغير المسلمين، وفي نفس الوقت فسروه بعذاب النضر بن الحارث العبدري بقتله يوم بدر، فصار بذلك شاملاً للعذاب الدنيوي!
ويلاحظ الباحث في التفاسير السنية أنه يوجد منهجٌ فيها، يحاول أصحابه دائماً أن يفسروا آيات العذاب الواردة في القرآن الكريم ـ خاصة التي نزلت في قريش ـ بالعذاب الأخروي، أو يرموها على أهل الكتاب، ويبعدوها عن المسلمين، حتى المنافقين منهم! وقد أوجب عليهم هذا المنهج في تبرئة قريش، أن يتهموا النبي صلى الله عليه وآله بأنه دعا ربه بالعذاب على قومه، فلم يستجب له! بل وبخه الله تعالى بقوله: ليس لك من الأمر شيء .. الخ ..
وهكذا ركزت الدولة القرشية مقولة اختيار الله لقريش، وعدم سماحه بعذابها، وجعلتها أحاديث نبوية، ولو كان فيها تحطئةٌ وإهانةٌ للنبي صلى الله عليه وآله، وأدخلتها في مصادر التفسير والحديث.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير