تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ودّاً *) (1) يرى أنه ليس كما يتأولون، وإنما أراد أنه يجعل لهم في قلوب العباد محبة، فأنت ترى المخلص المجتهد محببا الى البر والفاجر، مهيبا، مذكورا بالجميل، ونحوه قول الله سبحانه وتعالى في قصة موسى عليه السلام: (وألقيت عليك محبّة مّنّي) (2)، لم يرد في هذا الموضوع أني أحببتك، وإن كان يحبه، وإنما أراد أنه حببه إلى القلوب، وقرّبه من النفوس، فكان ذلك سببا لنجاته من فرعون، حتى استحياه في السنة التي يقتل فيها الولدان (3).

ويستمر أين قتيبة في عمليتي الاستنباط والاستدلال عليه من خلال ذائقته الفنية، وتمرسه في طلاقة البيان العربي، فيذهب بالمجاز الى ابعد حدوده الاصطلاحية، وكأنه فنّ قد تأصّل من ذي قبل، وهذا من مميزات ابن قتيبة في استقراء البعد المجازي.

ولعل من طريف ما استدلّ عليه بسجيته الفطرية قوله تعالى: (وجعلنا نومكم سباتا *) (4). فيذهب أن ليس السبات هنا النوم، فيكون معناه فجعلنا نومكم نوما، ولكن السبات الراحة، أي جعلنا النوم راحة لأبدانكم، ومنه قيل: يوم السبت، لأن الخلق اجتمع يوم الجمعة، وكان الفراغ منه يوم السبت، فقيل لبني إسرائيل: استريحوا في هذا اليوم، ولا تعملوا شيئا، فسمي يوم السبت، أي: يوم الراحة. وأصل السبت التمدد، ومن تمدد استراح، ومنه قيل: رجل مسبوت، يقال: سبتت المرأة شعرها، إذا نفضته من العقص وأرسلته، ثم قد يسمى النوم سباتا، لأنه بالتمدد يكون (5).

بهذا التذوق الدلالي، والنظر الموضوعي، فهم ابن قتيبة مجاز القرآن، فهل كان من المؤصلين له، هذا ما اعتقده بحدود غير مبالغ فيها، شاهدها عشرات الصفحات في تأويل مشكل القرآن وقد خصصها لمجاز


(1) مريم: 96.
(2) طه: 39.
(3) ظ: ابن قتيبة، تأويل مشكل القرآن.
(4) النبأ: 9.
(5) ظ: ابن قتيبة، تأويل مشكل القرآن.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير